الفعل ، وخص عيسى عليهالسلام بكشف الصفة وخص محمدا عليهالسلام بكشف الذات هو ومن معه من أكابر أمته من العارفين المحققين.
والحقيقة واحدة لأن الأخلاق واحدة ، ومتى كانت لدين أخلاق تغاير أخلاق دين آخر؟ فما دامت الأخلاق كليات ، وما دامت الكليات قانونا واحدا هو الذي سماه كانط القانون الأخلاقي كانت النتيجة أن ما تقوله الأنبياء لا يتغير ، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
٤٤ ـ (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤))
[فصلت : ٤٤]
ما دامت الأسماء نوعين ، آلاء وبلاء ، كان القرآن لتشخيصات أسماء الآلاء شفاء ، وكان لتشخيصات أسماء البلاء بلاء ، فما كره المشركون والمنافقون شيئا مثل كرههم الآيات التي كانت تتنزل على النبي تكشف حقيقتهم وتفضح سرائرهم وخفاياهم ، فللمؤمن طريق وللكافر والمنافق طريق ، وطريق الإيمان نور مفضية إلى الله ، وطريق الإلحاد والنفاق ظلمانية مفضية إلى الظلمات ، ولا يستوي الظلمات والنور ، ولا الأشقياء والسعداء.
وقوله سبحانه في الذين لا يؤمنون أنهم ينادون من مكان بعيد له نكتة ، إذ يفيد المعنى أن هؤلاء ينادون من قبل الحق ، ولكن من قبل الاسم البعيد ، أو من جهة الاسم البعيد ، والمعنى أن الله ينادي السعداء والأشقياء ، أي المقربين والمبعدين ، فهو ربهم وملهمهم ، وهو الله لا شريك له ، لكن الكافرين لا يعلمون.
٤٥ ، ٤٦ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦))
[فصلت : ٤٥ ، ٤٦]
كلما نزل كتاب من عند الله اختلف فيه ، بل إن كل كلام يقال يختلف فيه ، فقلوب تقبله وقلوب تنفر منه ، فالخلاف قائم إلى يوم القيامة وهذا هو قضاء الله الذي أشير إليه في الآية بقوله ولو لا كلمة سبقت من ربك ، ولو لا أن الله قضى هذا لكان قضى شيئا آخر ، وما يقضيه هو رفع الحجب المرخاة بينه وبين خلقه فإذا الناس أمام النور سواء ، مكشوفون مقهورون خانعون ساجدون طوعا أو كرها ، ولكن الله حر يفعل ما يشاء.