من هذه الصفات من كل زوجين اثنتين ، فالعارف في رحاب الله وفي كنفه ، وهو في خفض من العيش ، وفي جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.
١٢ ـ (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢))
[غافر : ١٢]
دعوة الناس إلى التوحيد عمل شاق وعظيم ، ذلك أن الإنسان خرج إلى هذه الدنيا فلم ير من حوله إلا الصور فعلقها واعتمدها أسبابا لمسببات لا بديل لها ، والكثرة الكاثرة من الناس ، وإن كان منهم مؤمنون ، لا يبغون عن هذه الصور حولا ، فهذه الصور حية فعالة محسوسة ، فكيف يرغب الإنسان عنها إلى الله ، والله في نظر الكافرين أسطورة ، وفي نظر المشركين عاطل عن القوى لا حول له ولا قوة ، وفي نظر المنافقين بعيد وعالم في السموات.
١٣ ، ١٤ ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤))
[غافر : ١٣ ، ١٤]
لا آية أعظم من النفس ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (من عرف نفسه عرف ربه) ، وقال سبحانه : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١)) [الذّاريات : ٢١] ، فهذه الآية شمس الوجود المضيئة نظر إليها أخناتون الموحد فآمن ، ومع هذا فالنفس ذاتها أعظم حجاب وأكثف حجاب إن لم يتجاوز الإنسان هذا السور ويرى حقيقته ، فالناس جميعا ، أخيار وأشرار ، خلف هذا السور من الأنا ولا يعلمون ، يعلمون ظاهرا من الأمر ، ويجهلون أن الله في النفس ، وأنه بها محيط.
١٥ ـ (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥))
[غافر : ١٥]
الروح روح الوجود ، وهو مستتر في العقل الإنساني كما أسلفنا الكلام ، وعن طريق الغريزة لدى الحيوان ، وعن طريق قوانين الطبيعة في النبات وعالم الطبيعة ، وعن طريق الذرات في عالم الذرة ، أما كونه عليما علاما فلأنه فتق العلوم في الإنسان عن طريق الفكر ، أي عن طريق النظر الفكري والاستدلال والاستنتاج والتجريد ، وهناك طور آخر لهذا الروح العالم وفيه يظهر للإنسان من ذاته كوجود آخر مغاير كلي ، عالم الغيب ، لا زمان له ولا مكان ، متعال غير محدود ، يعلم الإنسان ما لم يعلم ، وهذا هو العلم النبوي اللدني الذي رفع الله به الأنبياء والعارفين فوق الناس درجات ، إذ آتاهم هذه الأنوار العلمية ، فكانت الأنبياء مشرعين للوجود ، وقد تحدثنا عنه من قبل فالعرش القبضة النورانية لدى انتشار أنوارها ، أو هي السديم الأول الذي انفجر وتكثف ، فكانت الشموس والكواكب والنجوم ثم كانت الحياة على الأرض ، ثم