الكبرى ، وتقع القيامة الصغرى في المكاشفة التي تحدثنا عنها من قبل ، وقلنا
كيف يرى المكاشف الناس هياكل وأشباحا يحملون المعقولات التي أشير إليها في الآية
بأنها : (إِلَّا مَنْ شاءَ
اللهُ) [النّمل : ٨٧] ، فلا بقاء إلا لهذه المعقولات التي هي إشعاع الحضرة ، فيكون الله
حيا بذاته ، باقيا بذاته ، وتكون الأرض قد أشرقت بنور ربها ، والمقام فناء ، وهو
حال من العماء يبلغ فيه المشاهد العماء الذي قال فيه صلىاللهعليهوسلم : (كان الله في عماء ، ما فوقه هواء ولا تحته هواء) ،
والعماء الهيولى الكلية التي هي مادة الموجودات والتي هي الشاشة الإلهية التي
تتكون منها عناصر الوجود ، أي هي عالم الذر أو الطاقة اللطيفة.
أما النفخ
الثاني ففيه عودة إلى البقاء بالله بعد الفناء فيه ، وسمته الصوفية الفرق الثاني ،
وسمته الصحو بعد المحو ، ولقد عاد الحسين بن منصور الحلاج منه إلى الناس فجعل
يخطبهم في بغداد داعيا إياهم إلى التوحيد.
فالقيامة الآن
، ولكن من يشاهدها؟ والقيامة للعارفين ، ولكن من يشاركهم إحياء هذا المشهد الأعظم؟
٧٠ ـ (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠))
[الزمر : ٧٠]
جزاء النفس
ردها إلى صفتها واسمها ، فهي منها إليها ، وهي إليها منها ، فالكساء للكعبة ،
والكعبة للكساء ، والكعبة والكساء رمزا الإنسان الذي هو صورة إلهية ظاهرة باطنة.
٧١ ، ٧٥ ـ (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى
جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ
خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ
رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ
كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ
خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ
اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ
أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها
خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ
وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ
أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ
يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥))
[الزمر : ٧١ ،
٧٥]
الفرز للأسماء
والصفات ، فأصحاب الجنة يساقون إلى الجنة بالسلاسل كما ورد في الحديث ، إذ تسوقهم
أسماؤهم وصفاتهم لتحقيق المعاني الكلية المركوزة فيهم والتي أراد الله أن تفتق
وتنشر ، وأصحاب النار تسوقهم أسماؤهم وصفاتهم لتحقيق المضامين المركوزة في
المفاهيم الكلية التي أراد الله أن تفض ، فسبحان من جعل من الأضداد حكمة للمراد ،
ولا مراد بلا مراد ، وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود ، ولو لا
اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود.