لأن آدم كان الوسيلة الإلهية الوحيدة لإظهار كل خفايا الوجود العقلي الباطن ، فلا الملاك ولا الحيوان ولا الأجرام ولا الجبال ولا السموات ولا الأرض بقادرة على حمل الأمانة الإلهية التي هي كنوز العلم الإلهي ، والمسماة الأسماء والصفات ، والتي حملها الإنسان وحده ، فالإنسان جسر بين العوالم ، ومن دون الجسر لا مجال للانتقال من شاطئ الروح إلى عالم المادة ، ولا من العالم المعقول إلى العالم المحسوس ومن دون آدم ما كان لله أن يظهر في صورة كما قال عليهالسلام : رأيت ربي في صورة شاب أمرد.
فحقيقة النفس والقلب والروح واحدة ألا وهي الله ، والنفس لقربها من عالم الحس عرضة للشهوات والسقطات كما قال سبحانه : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥)) ولكن النفس قادرة في الوقت نفسه على النهوض من كبوتها والعروج في سماء الروح والمعقولات حتى بلوغ الله عزوجل ، ويقع هذا في فلك النفس ذاتها ، أي دون أن تفارق النفس هيكلها ، والإسراء بالبدن والعروج به خاص بالرسول عليهالسلام وحده ، ولهذا ما أثر عن أحد من الأنبياء والأولياء أنه قد أسرى به وعرج به كما حدث لمحمد عليهالسلام ، والباقون وهم الكمل من الأنبياء والورثة قد عاشوا العروج في رحلة داخل الذات ، وقال إبن عربي وتحسب أنك جرم صغير ، وفيك انطوى العالم الأكبر ، فيا أيها الإنسان ، يا من انطوى فيك سر العالم الأكبر ، كن قلب القرآن يس ، فبالياء والسين تطوي السموات والأرضين حتى تبلغ آفاق ربك العلياء ، حيث الأنوار مشعشعة في الأمداء ، تستقبلك كما تستقبل الأم وليدها ، تضمه إلى صدرها ، وترضعه لبن العلم والحياة الحقيقية.
٣٨ ـ (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨))
[يس : ٣٨]
مستقر الشمس ما تنتهي إليه ، فالذات ، والشمس لها رمز ، هي التي تقوم بهذه الرحلة الوجودية انطلاقا من العقل الفعال إلى النفس الكلية ثم إلى النفوس الجزئية ، وقلنا إن حقيقة الثلاثة واحدة وهي الحقيقة الإلهية ، لهذا قال إبن عربي : إن الله اقتطع من ذاته قطعة لم تكن به متصلة لتكون عنه بعد ذلك منفصلة.
والصوفية وجدوا الله في عقر دارهم بعد أن أوغلوا في كشوفاتهم حتى نفوا أنفسهم ، أخيرا ، وردوها إلى الله ، قرع رجل باب دار البسطامي فقال من تريد؟ قال : أبا يزيد ، فقال أبو يزيد : مر ، فليس في البيت إلا الله ، وقال أيضا : يا مجمع أفكاري ما غيرك في الدار ، ولقد بينا كيف يكون الإنسان مستودع الصفات فقط ، وأن ليس له من الأمر شيء ، فإذا انكشفت الصفات في الإنسان ، وهو الإنسان الكامل بخاصة ، فني الإنسان وما بقي إلا الهيكل ، وهذه الدورة بدآ من عمل الصفات عملها في الهيكل البشري وانتهاء بظهور الإنسان الكامل ، كما