نسف عالم الذرة نفسه ، ولقد تحدثنا عن هذا الموضوع في كتابنا فتح الوجود والإنسان الكامل ، ومعلوم لدى العلماء أن للعالم عمرا ، وهم يقدرون متى كانت بدايته ، وكانت بتكثف الطاقة اللطيفة حتى صارت سديما أول ، ثم تكثفت ذرات هذا السديم فتكونت الأجرام ، ويقولون متى استوفت الذرات أجلها عاد العالم سديما كما كان ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ ،) أي هم ساكنون أموات.
٣٢ ـ (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢))
[يس : ٣٢]
عبرت الآية تعبيرا بليغا عما أوردناه سابقا عن كون العالم في القبضة وأن لا خروج على المشيئة والقدرة الإلهيتين ، وأن القدرة إنسانية كانت أم غير إنسانية هي عارية وهي بالقدرة الأزلية تقوم.
٣٣ ، ٣٤ ـ (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤))
[يس : ٣٣ ، ٣٤]
الحب إخراج المعقول من أرض المحسوس ، ومن أجل هذا الإخراج أرسل الله الاثنين اللذين تحدثنا عنهما ثم عززهما بثالث ، فالله يريد إظهار صفاته ولا مجال لهذا الإخراج إلا فلق الحب من أرض المحسوسات ، فالله بمثابة عالم في معمله أو مختبره ، فهو من غير آلاته وأدواته ومعلوماته المسطرة عالم ، ولكنه عالم من غير فعل ، وبالأدوات من الممكنات المحسوسات الظاهرات أخرج الله حب معقولاته من هذه الأرض التي هي موات من دونه ، والتي هي به حية.
٣٥ ـ (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥))
[يس : ٣٥]
في الآية وسيلتان لاستنباط المعلومات ، الأولى الثمار الإلهية التي هي المعقولات النازلة من عالم الغيب إلى أرض الشهادة ، والتي هي جند الله المجندة تؤيد كل عقل حسي جعله الله يهوي إلى العلم وطلبه ، والوسيلة الثانية هي ما عبر عنها بما عملته أيديهم وهذا ما سبق الحديث عنه في الحروف الإلهية التي صارت تعينات وتشخصات تتقابل وتتباعد وتنجذب وتتنافر ، فالعالم كله أيد لله ، يخرج الله بها الحب ذا العصف والريحان.
٣٦ ، ٣٧ ـ (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧))
[يس : ٣٦ ، ٣٧]
في الآية ذكر للوسيلتين الضرورتين للتعلم ، فالأرض ضرورية للمحراث ليشقها ويخرج ما فيها ، وهي لا تخرج ما فيها إلا بالماء الذي يسقيها الله إياه ، فالماء إلهي ، والأرض وسيلة