١٩ ـ (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩))
[سبأ : ١٩]
الإشارة إلى السالكين الذين لم يتموا الهجرة إلى الله ، والذين سقطوا على الطريق ضحايا الأدواء النفسية ، فلا يصل إلى الله إلا من أتى الله بقلب سليم ، والقلب السليم هو الذي سلم أمره إلى ربه راغبا عن كل ما عداه ، ولقد عالج الإمام الغزالي في الإحياء أمراض السلوك الصوفي ، وكذلك فعل الإمام عبد الكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل حيث نبه على خطورة ركوب الطريق إلى الله ، وعلى ما يمكن أن يتعرض له السالك من أخطار مهلكة تباعد بينه وبين الله بدلا من أن تقربه منه.
٢٠ ـ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠))
[سبأ : ٢٠]
الآية تكشف دور إبليس في اللعب بالقلب ، وهذا ما أبانه الجيلي في كتابه المذكور.
٢١ ـ (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١))
[سبأ : ٢١]
ربطت الآية بين فعل إبليس وبين العلم الإلهي بما يفعل والحقيقة أن إبليس ما كان ليفعل شيئا من دون إذن الله ، وكيف يستطيع أن يفعل وهو مخلوق أولا ، وهو رئيس للملائكة سابقا ثانيا؟ فالدور الذي يلعبه إبليس ذو قصد ، والقصد تنبيه الغافلين وفتح قفل القلب بمفتاح التضاد نفسه ، وسبق أن قلنا أن لا ندم بلا خطيئة ، ولا توبة إلا بعد الندم ، ولا استغفار بلا توبة. ولا إيمان بلا إسلام ، ولا إسلام بلا إلحاد ، والشيء بنقيضه يعرف بل ويوجد ، وعلى هذا فدور إبليس إيجابي وإن بدا سلبيا ، وعلى هذا برأ إبن عربي ساحته ، ورده إلى الله بعد عصيانه ، وهذا ما أعلنه سبحانه على لسان إبليس نفسه حيث قال : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) [إبراهيم : ٢٢].
٢٢ ، ٢٣ ـ (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣))
[سبأ : ٢٢ ، ٢٣]
الإشارة إلى المشيئة والقدرة ، وكلتاهما من الصفات الإلهية السبع ممنوحة للبشر ، بحكم الإعارة فقط ، وهذا يذكر بعصا موسى التي انقلبت حية لقفت حبال السحرة الذين جمعهم فرعون لمجابهة موسى وإله موسى ، فالقدرة ، وإن كانت عصا في أيدي البشر ، إلا أنها كقوة وطاقة هي إلهية ، ولا يمكن أن تكون إلا إلهية ، وإلا فكيف استطاع الإنسان أن يبصر بعينه