إنسان مخلوق لملء مكان معين ، ولهذا لم يكن يزعجه أمر أو يغضبه مخلوق ، وأخلاق الصوفية بخاصة مضرب الأمثال في العفو والحلم والصفح الجميل والصبر الجميل ، وسيد الأنبياء والمرسلين سيد الحلماء والعافين عن الناس ، فما من شيء مما خلق الله إلا وله في الوجود دور ، وعلى الموحد المسلم وجهه لله أن يعي هذه الحقيقة ويدركها لكي ينظر إلى الناس كافة نظره إلى لوحة مكونة من قطع الفسيفساء صفت بحيث تبرز كل قطعة جزآ من اللوحة.
فتصعير الخد علامة الجهل ، والعالم متواضع ، وقال رسول الله : ما اتضع عبد لله إلا رفعه ، والوجود وجود الله فلا مجال لأن يصعر الإنسان خده للناس ، لأن للصغير دورا لا يقل أهمية عن دور الكبير ، ولو لا العامل والفلاح ما استطاع الغني أن يأكل خبزا أو يسكن دارا ، فالوجود كامل متكامل مبني وفق حكمة إلهية قضت وأقرت المتناقضات.
١٩ ـ (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩))
[لقمان : ١٩]
تحث الآية على المزيد من التواضع والوقاية من داء الكبر والعجب والاختيال ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : رب أشعت أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره.
٢٠ ، ٢١ ـ (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١))
[لقمان : ٢٠ ، ٢١]
الآية تتمة لما كنا تحدثنا عنه في الآية الثامنة عشرة ، فالدود الذي ينبش التراب مخلوق خصيصا لخلخلة التراب ، والصرصار الذي يسحقه الإنسان بحقد مخلوق لتفتيت المواد الموجودة في المجاري والأرض ، والذئاب التي قضى عليها الرواد الأمريكيون الأوائل في شمال أمريكا كان لها دور معلوم لم يكتشف إلا بعد مرور عشرات السنين من الدراسة والفحص حتى تبين أن الذئب للغابة كالماء للأرض.
٢٢ ـ (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢))
[لقمان : ٢٢]
العروة الوثقى الطرف الأوثق الذي لا يخشى انقطاعه ، والإشارة إلى معرفة سر التضاد وتوحيد المتناقضات وتجاوز النزاعات والخلافات والأنانية وصولا إلى الوحدة الجامعة لكل الأحداث الجزئية ، وهذا داخل في مقام الإحسان حيث يعبد الإنسان ربه كأنه يراه ، وهو لن