٢٨ ـ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨))
[آل عمران : ٢٨]
الخطاب موجه إلى تعينات شطر الأسماء المزدوجة كالضار النافع ، والرافع الخافض ، وعلى صاحب الاسم دفع الشطر الثاني من الاسم لأن من التضاد إظهارا للقيمة والمعنى ، فبوجود الضر تبرز قيمة النفع ، وفي عالم الطبيعة يتحقق التوازن البيئي عن طريق الصراع ، وكذلك في مجال الحياة الإنسانية ، فلا بد من دفع الناس بعضهم بعضا إظهارا للقيم وإبرازا للمعقولات.
وثمت لطيفة في قوله سبحانه : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ،) إذ أنه سبحانه بعد أن تحدث عن الإيمان والكفر ، أورد ذكر نفسه ، لأن نفسه التي هي مشع الأنوار ومسقطها جامعة للضدين ، وهذه حقيقة فصلت الصوفية القول فيها ، وكان من أبرز من تحدث عنها العارف بالله المحقق عبد الكريم الجيلي في كتابه «الإنسان الكامل» حيث أبان كيف تكون النفس الإلهية ، التي هي الإنسان الكامل ، جامعة لكل ما يظهر على مسرح الوجود.
وأول السلوك المجاهدة ، وآخرة التحذير من النفس الإلهية ، وهذا وارد في مجال المجاهدة أيضا ، فعند بدء الجهاد تكون النفس صاحبة أنية ، أي أن لصاحبها المجاهد وجودا ، ووجوده قوله أنا وأنا ... ومن دون هذا الوجود الجزئي لا يمكن تحقق الجهاد الذي هو دفع للجزئيات سواء على صعيد الإنسان أو على صعيد الحيوان ، وعند الوصول إلى أفق النفس الإلهية لا بد من اتخاذ الحذر ، إذ أن على المجاهد أن يضحي بنفسه الجزئية في سبيل خلود النفس الكلية كما ضرب لهذا مثل هو تضحية إبراهيم بولده ، وافتدى بكبش أي بالنفس الحيوانية أو الروح الحيواني ، والذي هو سر النفس الجزئية ، وعند ما يقبل السالك المجاهد التضحية بنفسه ، أي يقدمها إلى الله صاحبها ، يرد الله عليه وجوده بعد أن يكون قد أقر بأن ما هو له هو لله ، وأن وجوده الجزئي هو وجود إلهي هو عليه ضيف ، ويكون العوض روح القدس الذي يتخلل النفس الجزئية فيبلغ المجاهد مرتبة الأولياء الكاملين.
٢٩ ـ (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٩))
[آل عمران : ٢٩]
أشار الله سبحانه إلى الصدور لا إلى الرؤوس أو الأيدي ، لأن الحقيقة هي في الصدر ، والصدر من الصدور ، والأصل إشعاع الأسماء أو الصفات عن شمس الذات ، وهو إشعاع