موجودا ، وما دام الإنسان قد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، فإنه يكون قد اكتسب وجوده اكتسابا ، ووجوده هذا هبة ، وهو مضاف إلى وجود أصيل أزلي موجود بذاته ، كما أن العلم المحصل عن طريق الحواس والفكر هو علم موهوب أصلا ، لأنه من حصيلة فعل الأنية المضافة ونشاطها ، والنتيجة أن المكاشف ينخلع من الوجود ومن الحول والطول ، ويرث من ثم الوراثة المحمدية وهي الظفر بروح القدس.
٢٦٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٢٦٤))
[البقرة : ٢٦٤]
إتباع الصدقات بالمن والأذى الإيمان بالله ثم القول يا أنا ، والأنا أعظم حجاب ، وقد بينا السبب ، والأناهي ما ضرب الله لها مثلا الحجر الأملس الذي يقوم حاجزا بين الله والعبد ، فيبقى العبد مستورا عن الله.
٢٦٥ ـ (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٦٥))
[البقرة : ٢٦٥]
بذل المال الاعتراف بأن كل علم حصله الإنسان هو بفضل من الله ولله ، وما الإنسان إلا واسطة ظهور ، وجسر بين العالمين الظاهري والباطني ، وإيمان كهذا هو الذي يؤتي أكله ، إذ برد الفضل إلى صاحبه يضاعف صاحب الفضل الأجر ، ويجزل العطاء والثواب ، فتثمر جنة الفكر ، ويبلغ الفكر كماله وتمامه.
٢٦٦ ـ (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦))
[البقرة : ٢٦٦]
الذرية الضعفاء مثل القلب وحواسه ، أي آلاته التي تصله بالعالم الخارجي والعالم الداخلي ، والنخيل والأعناب المعقولات التي جردها الفكر بالنظر والتحليل والاستنتاج ، فإذا هي جنة علمية تسر صاحبها والناظرين ، والإعصار الذي فيه نار حدوث الكشف الذوقي الذي لا يبقى ولا يذر ، فيجرد الفكر من قواه ، ويجرد الحواس من إمكاناتها ويحرق الجميع حرقا بنار التوحيد التي رآها موسى عليهالسلام ، فلما جاءها نودي (إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [القصص : ٣٠].