الله ظهورا ، وفي التفسير أن إبراهيم أخذ طاووسا ونسرا وغرابا وديكا ، وجعلها على جبال أرضه. فالطاووس الذات الجامعة ، إذ أن ريش الطاووس ملون ، وله في كل ريشة عين تتفرع منها الألوان والنسر الصفات المنتشرة عن العين ، إذ يرمز النسر إلى القوة والسلطان ، ورأسه حليق لا شعر فيه ، فهو رمز القوى الصفاتية الإلهية القاهرة ، ولا يبلغ سماء النسر طير آخر. والغراب إشارة إلى العالم الحسي ، إذ أن من الغربان الأسود الذي يخالط لون الرصاص فالذات بعد التعيين ، وكلا اللونين عبر عنهما بالأسماء الإلهية التي لها وجه إلى الحق ووجه إلى الخلق. والغراب يرمز إلى البعد ، فيقال غراب البين ، وفي اللغة أن أغربة العرب سودانهم ، فالغراب الوجود في حال البعد ، أي الحجاب عن الله. والطائر الرابع هو الديك ، والديك صياح وصياحه موسيقى ، والموسيقى روح الكون والإشارة إلى أن الذات الإلهية تصدر موسيقى هي لغة كل لسان مخلوق في الوجود.
وتقطيع الطيور وخلط عظمها بلحمها وريشها فإشارة إلى احتواء الوجود الوجودي كل ما يقوم به حقيقة وكون هذه الطيور ميتة بعد التقطيع معناه عدم قيام الحقائق الوجودية بذاتها بل بغيرها. وعند انتباه العارف من نوم الغفلة يرى الوجود وقد حيي بالله ، أي قام به.
ولهذا فإن ابراهيم عليهالسلام لما دعا الطيور إليه جاءته سعيا ، فإبراهيم موحد ، جاز تجربة الخلق والكشف ، وخرج منها نبي التوحيد الذي شعاره لا إله إلا الله.
٢٦١ ـ (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١))
[البقرة : ٢٦١]
الإنفاق في سبيل الله ، أي في سبيل الله إنفاق العلوم المحصلة عن طريق الحواس والفكر في سبيل الله ، أي في سبيل معرفته والوصول إليه. وعند ما يتم جمع هذا المحصول من العلوم يأتي الروح القدس ويعيد نظم الكليات التي حصلها الفكر بالتجديد ، فتكون النتيجة الكشف عن وجود الله في الكون ظاهرا وباطنا. وهذا العلم الفريد مثله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، إذ أن النتيجة تعرف الله.
٢٦٢ ، ٢٦٣ ـ (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (٢٦٣))
[البقرة : ٢٦٢ ، ٢٦٣]
عدم اتباع الإنفاق بالمن والأذى الخروج عن الأنية التي تكون في حال التلوين ذات وجود أي دعوى الوجود ، فإذا وصل العارف مقام التحقق انتفى وجود أنيته ، أي انكشف بطلان الدعوى الشخصية فما عاد قادرا على أن يثبت لنفسه وجودا ، إذ معنى الأنية كون الشيء