قوله تعالى : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) ، أي مخوّف يعرفون حسبه ونسبه وصدقه وأمانته ، (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (٢) ؛ عجبوا لكون محمّد رسولا إليهم ، فأنكروا رسالته وأنكروا البعث بعد الموت ، وهو قوله : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ؛) أي أنبعث إذا متنا؟ قالوا ذلك متعجّبين أنّهم إذا ماتوا وصاروا ترابا كيف يبعثون بعد ذلك؟ وقالوا : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٣) ؛ أي الردّ إلى الحياة بعيد غير كائن أبدا ، استبعدوا بجهلهم أن يبعثوا بعد الموت.
قوله تعالى : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ؛) أي ما تأكل الأرض من لحومهم ودمائهم وأشعارهم ، والمعنى : لا يخفى علينا شيء مما تأخذ الأرض من أبدان الموتى ، فمن علم ذلك فهو قادر على إعادة ذلك الخلق بعينه إلى الحياة.
وقوله : (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (٤) ؛ أراد به اللوح المحفوظ ، حفظ من الزّيادة والنّقصان ، عندنا كتاب حافظ لعدّتهم وأسمائهم ، وقد أثبتنا فيه ما يكون من جميع الأشياء المقدّرة.
قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ ؛) أي كذبوا بالقرآن لمّا جاءهم بدلائل الله ، (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٥) ؛ أي مختلط ملتبس عليهم ، لا يثبتون على شيء واحد ، مرّة يشكّون وأخرى يجحدون ، ومرّة يقولون في النبيّ صلىاللهعليهوسلم : إنّه ساحر ، ومرّة يقولون : هو شاعر ، ومرّة يقولون : معلّم مجنون ، وتارة يقولون للقرآن : هو سحر يؤثر ، وتارة يقولون : هو أساطير الأوّلين ، وتارة يقولون : سحر مفترى.
وقال الحسن : (ما ترك قوم الحقّ إلّا مرج أمرهم) (١) ، وقال قتادة : (من ترك الحقّ مرج عليه رأيه ، والتبس عليه دينه) (٢) ، ومن ذلك المرج لاختلاط أشجارها بعضها من بعض.
قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (٦) ؛ ودلّهم بهذا على قدرته بعظيم خلقه ، فقال : أفلم ينظروا كيف بنيناها وزيّناها بالكواكب وما لها من فتوق وشقوق وصدوع.
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٢٢٧.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : مج ١٣ ج ٢٦ ص ١٩٢ : الأثر (٢٤٦٣٣).