والمعنى : أنّهم قالوا صدّقنا باللسان والقلوب ، قل لهم يا محمّد : لم تؤمنوا ؛ أي لم تصدّقوا بقلوبكم كما صدّقتم بألسنتكم (ولكن قولوا) استسلمنا وأنقدنا مخافة السّبي والقتل ، (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ ؛) في السّر كما أطعتم في العلانية ، فتتوبوا من الكفر والنفاق ، (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً ؛) أي لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ ؛) لمن تاب ، (رَحِيمٌ) (١٤) ؛ بمن مات على التوبة.
ومن قرأ (لا يألتكم) بالهمزة فهو من ألت يألت ألتا إذا نقص ، ويقال : لات يليت ليتا بهذا المعنى ، وكلا القراءتين بمعنى واحد.
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ؛) أي هم الذين أقرّوا وصدّقوا بوحدانيّة الله ونبوّة رسوله ، (ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا ؛) أي لم يشكّوا في دينهم بعد الإيمان ، (وَجاهَدُوا ؛) العدوّ ، (بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ؛) طاعة ، (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١٥) ؛ في الإيمان.
فلمّا نزلت هذه الآية جاء القوم يحلفون لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إنّهم يؤمنون في السرّ والعلانية ، وقد علم الله منهم غير ذلك ، فأنزل الله :
قوله تعالى : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١٦) ؛ معناه : كيف يعلّمون الله بالدّين الذي أنتم عليه ، وهو عالم بكلّ شيء من كلّ وجه ، وكيف يجوز أن يعلّم من كان بهذه الصّفة.
وقوله (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) وذلك أنّ هؤلاء المنافقين كانوا يقولون للنبيّ صلىاللهعليهوسلم : قاتلتك العرب بأسيافهم ونحن جئناك بالأهل والذراري والأثقال ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان ، فقال الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ ؛) يا محمّد ؛ (أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ ؛) فإنّ إجابتكم إلى الإسلام لم تكن إلّا لاجابتكم على أنفسكم لا إنّكم أنعمتم على من دعاكم إلى ذلك.
ومن المعلوم أنّ حقّ الداعي إلى الهداية أعظم من حقّ المطيع بالإجابة ، فليس للمطالب أن يطالب بالحقّ الذي له وينسى الحقّ الأعظم الذي عليه ، ولذلك قال الله :