وقيل : معناه : بمشيئة الله ، وقال بعضهم : هذا اللفظ حكاية الرّؤيا التي رآها النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنّه رأى في المنام أنّ ملكا ينادي : (لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين). وقيل : إنما كان ذلك تأديبا للعباد ليدخلوا كلمة الاستثناء فيما يخبرون عنه في المستقبل من نفي وإثبات ، قوله : (آمِنِينَ ؛) أي آمنين من العدوّ.
قوله تعالى : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ؛) قريبا أنّهم يدخلون مكّة إلى أن يبلغوا آخر النّسك ، (لا تَخافُونَ ؛) العدوّ ، بخلاف عام الحديبية. فيه دليل أن الحلق والتقصير قربة في الإحرام من حيث إن الإحلال يقع بهما ، وفيه دليل أن المحرم بالخيار عند التحليل من الإحرام إن شاء حلق وإن شاء قصّر. وفي الحديث : [أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا للمحلّقين ثلاثا ، وللمقصّرين مرّة].
قوله تعالى : (لا تَخافُونَ) أي لا تخافون من المشركين ، (فَعَلِمَ ؛) الله ما في تأخير الدّخول عام الحديبية من الخير والصّلاح ، (ما لَمْ تَعْلَمُوا ؛) أنتم ، (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ ؛) أي من قبل الدّخول ، (فَتْحاً قَرِيباً) (٢٧) ؛ يعني فتح خيبر.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ؛) أي أرسل رسوله بالطريق المؤدّي الى الجنّة ودين الإسلام ليظهر دين الإسلام على الأديان كلّها بالحجّة والغلبة ، (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨) ، على نبوّتك ورسالتك إن لم يشهد سهيل وأمثاله.
قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ ؛) هذا مبتدأ وخبره قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ ؛) أي والّذين معه من المؤمنين أشدّاء على الكفّار ، غلاظ عليهم ، والأشدّاء جمع الشّديد ، وهو قويّ في دين الله تعالى ، القويّ على أعداء الله ، كانوا لا يميلون إلى الكفّار لقرابة ولا غيرها ، بل أظهروا لهم العداوة في الدين ، وكانوا على الكفّار كالأسد على فرسه.
قوله تعالى : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ؛) أي متواددون فيما بينهم ، متعاطفون حتى أنّهم كانوا بعضهم لبعض كالوالد لولده ، والعبد لسيّده ، وقوله تعالى : (تَراهُمْ رُكَّعاً