لو لا ذلك لدخلتم على أهل مكّة ولو طأتموهم ليلا ولضربتم رقاب المشركين بنصرنا إيّاكم ، ولكنّ الله منع من ذلك كراهة وطئ المؤمنين المستضعفين الذين كانوا بمكّة ، والمؤمنات بالقتل لأنّهم لو دخلوا مكّة لم يتميّز لهم المؤمنون من الكفّار ، فلم يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين.
وقيل : المراد بالمعرّة الإثم والدّية والكفّارة ، إلا أن الصحيح (١) ما ذكرناه من قبل ؛ لأنه لا خلاف بين العلماء أنّ المسلمين إذا قصدوا (٢) حصنا من حصون الكفار وقاتلهم وأصابوا من في الحصن من أطفال الكفّار ومن أسارى المسلمين أنه لا إثم عليهم ولا ديّة ولا كفارة ، ولقد حاصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق مع نهيه عن قتل النساء والولدان (٣).
قوله تعالى : (بِغَيْرِ عِلْمٍ ؛) موضعه التقديم ، تقديره : لو لا أن تطأوهم بغير علم ، (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ؛) اللام متعلّقة بمحذوف دلّ عليه معنى الكلام على تقدير : حال بينكم وبينهم (ليدخل الله في رحمته من يشاء) يعني من أسلم من الكفّار بعد الصّلح ، ورحمة الله جنّته ، قوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٢٥) ؛ معناه : لو تميّز المؤمنون عن الكفّار لعذبنا الكفار عذابا أليما يعني بالقتل والسّبي بأيديكم.
قوله تعالى : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) قال مقاتل : (إنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا قدم الحديبية ومعه الهدي ، قال كفّار مكّة : قتل محمّد أبناءنا وإخواننا ، ثمّ أتانا يدخل علينا في منازلنا ، فتحدّث العرب أنّهم دخلوا علينا على رغم آنافنا ، واللّات والعزّى لا يدخل علينا. فهذه الحميّة حميّة الجاهليّة الّتي دخلت قلوبهم) (٤).
__________________
(١) في المخطوط : (الآن الصحيح).
(٢) في المخطوط : (قصد).
(٣) ينظر : السيرة النبوية لابن هشام : ج ٤ ص ١٢٦.
(٤) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٢٥٢ ـ ٢٥٣ مع اختلاف في بعض ألفاظه.