مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ)(١).
وقال ابن عبّاس : (بعثت قريش أربعين رجلا أو خمسين رجلا منهم ، وأمروهم أن يطوفوا بعسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا ، فأخذوا فأتي بهم رسول الله ، فعفا عنهم وخلّى سبيلهم ، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله بالحجارة والنّبل ، فأنزل الله هذه الآية). (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)(٢) أي هم الذين كفروا بمحمّد والقرآن ، يعني كفّار مكة ، وصدّوكم عن المسجد الحرام أن تطوفوا به للعمرة ويحلوا من عمرتكم.
وقوله تعالى (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً) أي وصدّوا الهدي ممنوعا أن يبلغ محلّه الذي إذا صار إليه حلّ نحره وهو الحرم ، وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم ساق في ذلك العام سبعين بدنة إلى مكّة. (معكوفا) في اللغة هو الممنوع عن الذهاب في جهته بالإقامة في مكانه ، يقال : عكف على الأمر عكوفا ، واعتكف في المسجد إذا أقام به.
ومعنى الآية : هم الذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام ، وصدّوا الهدي وهي البدن التي ساقها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت سبعين بدنة معكوفا أي محبوسا أن يبلغ محلّه أي مسجده ، وهذه الآية دلالة على أن محلّ الهدي الحرم ، ولو كان محله غير الحرم لما كان معكوفا عن بلوغ محلّه.
قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ ؛) معناه : ولو تطأوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات مقيمات بمكّة لم تعلموهم فتقتلوهم ، (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ) ، قبلهم ، (مَعَرَّةٌ ؛) أي عيب ومسبّة في العرب بأنّكم قتلتم أهل دينكم ، ويقال : أراد بالمعرّة الغمّ والجزع. وجواب (لو لا) محذوف تقديره :
__________________
(١) أخرجه مسلم في الصحيح : كتاب الجهاد : باب الآية : الحديث (١٣٣ / ١٨٠٨). وأبو داود في السنن : كتاب الجهاد : الحديث (٢٦٨٨). والترمذي في الجامع : أبواب التفسير : الحديث (٣٢٦٤) ، وقال : حسن صحيح.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٤٤٢٤) وفيه إسناد مجهول غير متهم عند محمد بن إسحق.