فبينا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بين النّائم واليقظان إذ أتاه ملكان ؛ أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه ، فقال الّذي عند رأسه للثّاني : أيّ شيء به؟ قال : سحر ، قال : من فعل به؟ قال : لبيد بن أعصم اليهوديّ ، قال : فأين جعله؟ قال : في بئر لبني زريق ، وجعله في صخرة في كوبة ، قال : فما دواؤه؟ قال : نبعث إلى تلك البئر فينزح ماؤها ، ثمّ تقلع الصّخرة فتستخرج الكوبة من تحتها فيها إحدى عشرة عقدة. وإنّما قال ذلك ؛ لكي يفهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فانتبه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وقد فهم ما قالا.
فأرسل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم عمّار بن ياسر في نفر من أصحابه إلى تلك البئر ، فانتهى إليها عمّار ، وقد تغيّر ماؤها كهيئة الحنّاء من ذلك السّحر ، فنزحوا ذلك الماء حتّى بدت الصّخرة فإذا تحتها كوبة ، فأخذوها وإذا في الكوبة وتر فيه إحدى عشرة عقدة ، فجاء بها إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فأحرقت وأنزلت المعوّذتان إحدى عشرة آية فحلّت كلّ آية عقدة ، وأمر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يتعوّذ بهما ، وكان صلىاللهعليهوسلم يعوّذ بهما الحسن والحسين ، فكان لبيد بعد ذلك يأتي النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فما رأى في وجه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم شيئا من ذلك قطّ ولا ذاكره إيّاه.
وفي بعض الروايات : أنّ بنات لبيد بن أعصم اللّواتي سحرن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فذهب بذلك لبيد فجعله في وعاء الطّلع ـ أعني كوزي النّخل ـ وجعله في بئر تحت صخرة ، فلمّا أطلع الله نبيّه على ذلك بعث أبا بكر وعمر حتّى أخرجاه. وقيل : بعث عليّا في استخراجه ، فأنزل الله هاتين السّورتين (١).
والفلق على قول الكلبيّ وقتادة : «الصّبح عند بيانه وظهوره» ، وعن ابن عبّاس : «أنّ الفلق الخلق يخرجون من أصلاب آبائهم وأرحام أمّهاتهم كما ينفلق الحبّ من النّبات». وهذا القول أعمّ من الأول وأقرب إلى تعظيم الله تعالى ، لأن
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الجزية والموادعة : باب هل يعفى عن الذمي إذا سحر : الحديث (٣١٧٥) ، وأطرافه في (٥٧٦٣ و ٥٧٦٥ و ٦٠٦٣ و ٦٣٩١). ومسلم في الصحيح : كتاب السّلام : باب السحر : الحديث (٢١٨٩) مختصرا.