بيد ملك ينتظر أن يقتله غدوّا أو عشيّا ، ما عندي من غنى في شيء إلّا أنّ أنيسا سائس الفيل صديق لي ، فسأرسل إليه وأوصيه بك ، وأعظّم عليه حقّك ، وأسأله أن يستأذن لك الملك ، ويكلّمه بما يدنيك إليه ، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك. فقال : افعل.
فبعث ذو نفر إلى أنيس فقال له : إنّ عبد المطلب سيد قريش وصاحب عير مكّة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحش في رؤوس الجبال ، وقد أخذ له الملك مائتي بعير ، فاستأذن له عليه واشفع له عنده بما استطعت. فكلّم أنيس أبرهة فقال : أيّها الملك هذا سيّد قريش ببابك يستأذن عليك ، وهو رجل يطعم الناس بالسهل ، والوحش في رؤوس الجبال ، فأذن له حتى يدخل عليك فيكلّمك في حاجته.
فأذن له أبرهة ، وكان عبد المطلب من أوسم الناس وأجملهم ، فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته ، وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه ، فنزل أبرهة عن سريره ، فجلس على بساطه وأجلسه معه إلى جنبه ، ثم قال لترجمانه : قل له اذكر حاجتك ، فقال له : حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أخذها. فلمّا قال له ذلك ، قال له أبرهة : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني في مائتي بعير أخذتها لك ، وتترك شيئا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه فلم تكلّمني فيه.
قال له عبد المطلب : إنّي أنا ربّ الإبل ، وإنّ للبيت ربّا سيمنعكه. قال : ما كان ليمتنع منّي ، قال : أنت وذاك. فردّ أبرهة على عبد المطّلب إبله ، فأخذها ورجع إلى قومه ، فأمرهم بالخروج من مكّة والتحرّز في شعف الجبال والشّعاب خوفا من معرّة الجيش إذا دخل.
ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة ، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده ، فقال عبد المطّلب وهو آخذ بحلقة باب الكعبة :