وقد يقام حرف من مقام الباء ، كما في قوله تعالى (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(١) معناه : أي بأمر الله ، فكذلك معنى (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي بكلّ أمر قدّره الله تعالى في تلك الليلة إلى مثلها من السّنة القابلة. ويقال : إنّ الملائكة ينزلون إلى الدّنيا في تلك الليلة ، ويسلّمون على المؤمنين على كلّ قائم وراكع وساجد إلى طلوع الفجر.
قرأ طلحة بن مصرّف (تنزل الملائكة) مخفّفا (٢). والمراد بالرّوح جبريل في قول أكثر المفسّرين ، وقال مقاتل : «الرّوح طائفة من الملائكة ، لا تراهم الملائكة إلّا تلك اللّيلة ، ينزلون من غروب الشّمس إلى طلوع الفجر». وقيل : هو ملك عظيم.
قوله تعالى : (سَلامٌ هِيَ ؛) تمام الكلام عند قوله تعالى (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) ، ثم ابتدأ فقال : (سَلامٌ هِيَ) أي ليلة القدر ، سلامة هي ؛ أي خير كلّها ليس فيها شرّ ، قال الضحّاك : «لا يقدّر الله في تلك اللّيلة إلّا السّلامة ، فأمّا اللّيالي غيرها فيقضي فيهنّ البلاء والسّلامة». قال مجاهد : «هي سالمة لا يستطيع الشّيطان أن يعمل فيها شرّا ولا أذى». وقال الشعبيّ : «هو تسليم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشّمس إلى أن يطلع الفجر».
وفي قراءة ابن عبّاس (من كلّ أمر سلام) معناه : من كلّ ملك سلام على المؤمنين في هذه الليلة ، وقيل : على هذه القراءة أيضا أن (من) بمعنى (على) ؛ تقديره : على كلّ امرئ من المسلمين سلام من الملائكة ، ونظيره قوله تعالى : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ)(٣) أي على القوم.
قوله تعالى : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (٥) ؛ أي إلى مطلع الفجر ، و (حتّى) حرف غاية ، قرأ الأعمش والكسائي وخلف (مطلع) بكسر اللام ، وقرأ الباقون بفتحها وهو الاختيار ؛ لأن المطلع بفتح اللام بمعنى الطّلوع ، يقال : طلعت الشمس
__________________
(١) الرعد / ١١.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٢٠ ص ١٣٤ ؛ قال القرطبي : (وقرأ طلحة بن مصرّف وابن السميقع ، بضم التاء على الفعل المجهول).
(٣) الأنبياء / ٧٧.