وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المراد بالآية فتح مكّة بالغلبة والقهر ؛ لأنّ الصّلح لا يسمّى فتحا على الإطلاق ، قال الشعبيّ : (بويع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في ذلك الوقت بيعة الرّضوان ، فأظهره الله على خيبر في منصرفه ، وظهرت الرّوم على فارس في ذلك الوقت) (١) ، والفتح في اللغة : هو الفرج المزيل للهمّ.
قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ ؛) قال ابن الأنباريّ : (سألت أبا عبّاس (٢) عن اللّام في قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) ، فقال : هو لام كي ، معناها : إنّا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النّعمة في الفتح ، فلمّا انضمّ إلى المغفرة حادث واقع حسن معنى (كي).
وقوله تعالى (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) المراد بالذنب ههنا الصغائر ، فأما الكبائر فالأنبياء معصومون منها أبدا ؛ لأنّهم الأمناء على الوحي والرسالة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يقوم حتّى تدمى قدماه ، فقيل : يا رسول الله ؛ أتصنع هذا وقد جاءك من الله أن قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟! قال : [أفلا أكون عبدا شكورا]) (٣).
قوله تعالى : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢) ؛ أي بالنبوّة والمغفرة ، والمعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النّعمة بالمغفرة والهداية إلى صراط مستقيم وهو الإسلام. قوله تعالى : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٣) ؛ أي ينصرك بالحجّة والسيف على عدوّك نصرا قويا لا ذلّ معه.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٤٣٥١).
(٢) أبو العباس : هو أحمد بن يحيى بن ثعلب ، إمام الكوفيين في النحو واللغة ، وكان ثقة دينا صالحا ، مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة والمعرفة بالغريب وروايته الشعر القديم ، مقدما عند الشيوخ مذ هو حدث. قال أبو بكر بن الأنباري : (سمعت أحمد بن يحيى يقول : سمعت من عبيد الله القواريري مائة ألف حديث) توفي سنة (٢٩١) من الهجرة ، ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد : الرقم (٢٩٩٧).
(٣) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء : ج ٧ ص ٢٠٥. وله طرق أخرى عن المغيرة بن شعبة وعائشة. وأخرجه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٨٣٦).