ولبث رسول الله صلىاللهعليهوسلم شهرا وصيفا فوعدهم الله خيرا أن يفتحها لهم ، فلمّا رجع النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة نزل قوله تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) ، والفتح المبين : ما كان من استعلاء المسلمين عليهم حتى غلبوهم بالحجارة وأدخلوهم بيوتهم ، وتيسير الصلح أيضا من الفتح المبين وظهور النبيّ صلىاللهعليهوسلم على خيبر من الفتح.
قال : (وأنجى الله أبا جندل بن سهيل من أيديهم ، وخرج منهم واجتمع إليه قريب من سبعين رجلا كرهوا أن يقعدوا مع المشركين ، وعلموا أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يقبلهم حتّى تنقضي المدّة ، فجعلوا يقطعون الطّريق على المشركين ، فأرسل المشركون إلى النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يناشدونه أن يقبضهم إليه ، وقالوا : أنت في حلّ ممّن اختارك علينا يا محمّد ؛ فإنّهم إن يكونوا معك كان أهون علينا ، فلحقوا بالنّبيّ صلىاللهعليهوسلم) (١).
وعن قتادة قال : (بشّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك الوقت بفتح مكّة). ومعنى قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) يعني صلح الحديبية ، وكان صلحا بغير قتال ، قال الفرّاء : (والفتح قد يكون صلحا) (٢).
ومعنى الفتح في اللّغة : فتح المغلق ، والصّلح الذي حصل مع المشركين بالحديبية كان مسدودا متعذّرا حتى فتح الله. قال جابر : (ما كنّا نعدّ فتح مكّة إلّا يوم الحديبية) (٣). وقال الزهريّ : (لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أنّ المشركين اختلطوا بالمسلمين وسمعوا كلامهم فتمكّن الإسلام في قلوبهم) (٤).
ويجوز أن يكون معنى الفتح : الإكرام بالنبوّة والإسلام والأمر بدعوة الخلق إليهما. وقيل : معنى (فَتَحْنا لَكَ) أي قضينا لك بالنصر ، ومنه المفتاح وهو القاضي ، ومنه قوله تعالى : (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ)(٥) أي اقض بيننا.
__________________
(١) ينظر : كتاب المغازي للواقدي : ج ٢ ص ٩٠ ـ ١٠٢. والسيرة النبوية لابن هشام : ج ٣ ص ٣٣٢ ـ ٣٣٨.
(٢) قاله الفراء في معاني القرآن : ج ٣ ص ٦٤.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٤٣٤٧).
(٤) ذكره البغوي أيضا في معالم التنزيل : ص ١٢٠٢.
(٥) الأعراف / ٨٩.