وعن وهب بن منبه : (أن رجلا كان على دين عيسى ، فوقع في نجران فدعاهم فأجابوه ، فسار إليه ذو نؤاس اليهوديّ بجنوده من حمير ، وخيّرهم بين النار واليهوديّة ، فخدّ لهم الأخاديد وحرّق اثنى عشر ألفا). وقال الكلبيّ : (كان أصحاب الأخدود سبعين ألفا).
وروي : أن اليهود لمّا ألقوا من كان على دين عيسى ، كان معهم امرأة معها ثلاثة أولاد أحدهم رضيع ، فقال لها الملك : ارجعي عن دينك وإلّا ألقيتك وأولادك في النار ، فأبت. فأخذ ابنها الأكبر فألقاه في النار ، ثم قال لها : ارجعي عن دينك ، فأبت.
فأخذ ابنها الثاني فألقاه في النار ، ثم قال لها : ارجعي عن دينك ، وأخذ الطفل منها ليلقيه في النار ، فهمّت بالرّجوع عن دينها ، فقال لها الطفل : يا أماه لا ترجعي عن الإسلام واصبري فإنّك على الحقّ ، فألقي الطفل وأمّه في النار ، فذلك قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) الأخدود : هي الحفر المشقوقة في الأرض مستطيلة وجمعها أخاديد ، يقال : خددت في الأرض ؛ أي شققت فيها حفرة طويلة ، وعن عطيّة قال : (خرجت عنق من النّار فأحرقت الكفّار عن آخرهم).
قوله تعالى : (النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) (٥) ؛ أي ذات الحطب والنفط. قيل : أراد بالوقود أبدان الناس ، وقوله تعالى : (إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ) (٦) ؛ جمع قاعد مثل شاهد وشهود ، وكان الكفار قعودا على شفير الأخدود على الكراسي. قوله تعالى : (وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ) (٧) ؛ أي وهم على ما يفعله الجلاوزة الذين كانوا يلقون المؤمنين في النار شهود ؛ أي حضور يرون ذلك منهم.
قوله تعالى : (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٨) ؛ فيه بيان ما لأجله قصدوا إحراق المؤمنين ، ومعناه : وما طعنوا وما أنكروا عليهم شيئا إلّا إيمانهم بالله المنيع بالنّقمة ممّن عصاه ، المستحقّ للحمد على كلّ حال ، والمعنى : ما علموا منهم عيبا وما وجدوا لهم جرما ولا رأوا منهم سوءا إلّا من أجل أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، الذي له القدرة على أهل السّموات والأرض ، (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٩) ؛ أي عالم بجزاء كلّ عامل بما عمل.