وقيل : الشاهد جميع الأنبياء كما قال تعالى (وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً)(١) والمشهود جميع الأمم. ويقال : الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة كما قال صلىاللهعليهوسلم : [خير الأيّام يوم الجمعة وهو الشّاهد ، والمشهود يوم عرفة ، والموعود يوم القيامة](٢). ويقال : الشاهد يوم النّحر ، والمشهود يوم الجمعة.
قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) (٤) ؛ هذا جواب القسم ، تقديره : لقد قتل أصحاب الأخدود ، والمعنى : قتلتهم النار. والأخدود : شقّ يشقّ في الأرض ، جمعها أخاديد. ويجوز أن يكون معنى (قتل) : لعن على الدّعاء عليهم.
وقصّة ذلك ما روي : أنّ رجلا من النّصارى كان أجّر نفسه من يهوديّ ليعمل له عملا ، فرأت ابنة المستأجر النّور في البيت لقراءة الأجير الإنجيل ، فذكرت ذلك لأبيها فرمقه حتّى رآه ، فسأله عن ذلك فلم يجبه ، فلم يزل به حتّى أخبره أنّه على دين عيسى ، وكان ذلك قبل مبعث نبيّنا صلىاللهعليهوسلم ، فتابعه هو وسبعة وثمانون إنسانا من بين رجل وامرأة.
فأخبر ملك اليهود واسمه يوسف بن ذي نؤاس الحميريّ ، فخدّ لهم في الأرض وأوقد فيه النّار ، وطرح فيه النّفط والقصب والقطران ، وعرضهم على اليهوديّة ، فمن أبى منهم أن يتهوّد دفعه في النّار ، ومن رجع عن دين عيسى تركه. وكان في آخرهم امرأة معها صبيّ رضيع ، فلمّا رأت النّار صدّت ، فقال لها الصّبيّ : يا أمّاه قفي فما هي إلّا غميضة ، فصبرت فألقيت في النّار ، وارتفعت النّار أربعين ذراعا ، فأحرقت اليهود الّذين كانوا حول الأخدود.
قال ابن عبّاس : (كانوا يطرحونهم في النّار ، فمن أبى منهم ضربوه بالسّياط حتّى ألقوهم جميعا في النّار ، فأدخل الله أرواحهم الجنّة قبل أن تصل أجسامهم إلى النّار).
__________________
(١) النحل / ٣٥.
(٢) أخرجه الطبري بألفاظ عديدة في جامع البيان : الحديث (٢٨٥٢١) عن أبي هريرة بألفاظ ، والحديث (٢٨٥٢٦) عن علي رضي الله عنه موقوفا. وأخرجه الطبراني في المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٥٣ : الحديث (١٠٩١). وذكره ابن أبي حاتم في التفسير : الرقم (١٩٢٠٤).