قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) (١٨) ؛ أي حقّا إنّ عمل الأبرار وهم الصّادقون في إيمانهم لمكتوب في أعلى الأمكنة فوق السّماء السابعة. قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ) (١٩) ؛ تعجيب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم بأنّ ذلك غير معلوم وسيعرفه. قوله تعالى : (كِتابٌ مَرْقُومٌ) (٢٠) ؛ تفسير للكتاب الذي في عليّين إعظاما لذلك الكتاب وتشريفا ، وفي إعظام كتاب المرء إعظاما له.
وقال قتادة : «علّيّون قائمة بالعرش اليمنى» (١) ، وقال مقاتل : «ساق العرش إليه ترفع أرواح المؤمنين» (٢). وقيل : إنّ العليّين جمع العلّيّة ، وهي المرتبة العالية محفوفة بالجلالة. وقال بعضهم : معناه : علوّ في علوّ مضاعف. وقوله تعالى : (يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢١) ؛ أي يحضره السّبعة أملاك الذين ذكرناهم.
قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) (٢٢) ؛ أي في نعيم دائم وهو نعيم الجنّة ، (عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ) (٢٣) ؛ أي على السّرر من الدّرّ والياقوت في القباب المضروبة ينظرون إلى نعيم الجنّة. وقيل : إلى أعدائهم كيف يعذبون.
قوله تعالى : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٢٤) ؛ أي بريق النعيم ونوره ونظارته وبهجته وحسنه ، (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (٢٥) خِتامُهُ مِسْكٌ ؛) أي خمر صافية خالصة من الغشّ بيضاء مختومة بالمسك ، قال قتادة : «تمزج لهم بالكافور ، وتختم لهم بالمسك» (٣). وقيل : معناه : آخر طعمه مسك.
وقرأ علقمة : (خاتمه مسك) أي آخره ، ويقال معناه : أنّهم إذا شربوا من ذلك الشّراب انختم ذلك بطعم المسك ورائحته. ويقال : معنى المختوم ههنا أنّ ذلك الشراب في الآخرة هو مختوم بالمسك بدل الطّين الذي يختم بمثله الشّراب في الدّنيا ، فهو مختوم بالمسك يوم خلقه الله تعالى لا ينفكّ حتى يدخل أهل الجنّة الجنّة ، فينفكّ ذلك لهم تعظيما لشرابهم.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٣٩٨).
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٤٦٤.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٤١٩).