معناه عذرا من الله ، وإنذارا لخلقه ، والإعذار قطع المعذرة ، والإنذار الإعلام بموضع المخافة لتبقى ، ولهذا بعث الرّسل وأنزل الكتب.
والمعنى بهذه الآيات : أنّ كفار مكّة لمّا أنكروا البعث أقسم الله تعالى بما بيّن من قدرته وتدبيره الملائكة والسّحاب والرياح أنّ قيام الساعة كائن فقال : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ) (٧) ؛ أي إنّ أمر الساعة والبعث لكائن لا محالة.
ثم ذكر متى يقع فقال : قوله تعالى : (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) (٨) ؛ أي محي نورها وسلب ضوءها وتساقطت ، كما قال الله تعالى : (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ)(١). قوله تعالى : (وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ) (٩) ؛ أي شقّت من هيبة الرّحمن ، وانفطرت بعد أن كانت سقفا محفوظا ، فأوّل حالها الوهي ثم الانشقاق ، قال الله تعالى (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ)(٢) ثم الانفتاح ، قال الله (وَفُتِحَتِ السَّماءُ)(٣) ثم الانفراج حتى يتلاشى فتصير كأنّها لم تكن.
قوله تعالى : (وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ) (١٠) ؛ أي قلعت من أماكنها بسرعة. قوله تعالى : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ) (١١) ؛ أي بيّن مواقيتها للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم. وقيل : جمعت لوقتها ، وإنما قلبت الواو همزة على قراءة غير الواو ؛ لأن كلّ واو انضمّت وكانت ضمّتها لازمة جاز إبدالها همزة ؛ ولأنّ العرب تعاقب بين الواو والهمزة كقولهم : أكّدت ووكّدت ، وأرّخت الكتاب وورّخت ، ووسادة وإسادة.
قرأ أبو عمرو (وقّتت) بالواو والتشديد على الأصل ، وقرأ أبو جعفر (وقتت) بالواو والتخفيف ، وقرأ عيسى (٤) وخالد بن الياس (٥) (أقتت) بالألف ، وقرأ الباقون بالألف والتشديد.
__________________
(١) الانفطار / ٢.
(٢) الحاقة / ١٦.
(٣) النبأ / ١٩.
(٤) عيسى بن عمر الثقفي البصري : نحوي ، مقرئ ، من أهل البصرة. وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء ، أول من هذّب النحو ورتبه ، وعلى طريقته مشى سيبويه وأشباهه. متوفى سنة (١٤٩ ه ـ ٧٦٦ م). ينظر : معجم المفسرين : ج ١ ص ٤٠٨.
(٥) في المخطوط : (خالد بن النبا) وهو تحريف. في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ١٥٨ ؛ قال القرطبي : (خالد بن إلياس) وذكر القراءة.