قوله (عِبادُ اللهِ) أي أولياؤه ، يفجّرون تلك العين ، ويسوقونها إلى حيث شاءوا لمن دون هم من أهل الجنّة ، بخلاف عيون الدّنيا وأنهارها. والتفجير : تشقيق الأرض بجري الماء. وقيل : معنى (يفجّرونها) أي يقودون تلك العين حيث شاءوا من منازلهم ودورهم وحيث شاءوا.
قوله تعالى : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ؛) يعني الأبرار هذه صفاتهم في الدّنيا ، كانوا يوفون بطاعة الله من الصلاة والحجّ ، ومعنى (النّذر) في اللغة : الإيجاب ، ومعنى الوفاء بالنذر إتمام العهد والوفاء به وإقامة فروض الله تعالى. قوله تعالى : (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٧) ؛ معناه : ويخافون من نقض العهد عذاب يوم كان شرّه ممتدّا فاشيا. يقال : استطار الخير إذا فشا وظهر. وعن قتادة قال : «استطاروا لله شرّ ذلك اليوم حتّى ملئت السّموات والأرض منه» (١) نحو انشقاق السّماء ، وانتثار الكواكب ، ونسف الجبال ، وخسوف الشّمس والقمر ، وفزع الملائكة.
قوله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ ؛) أي على حب الطعام وقلّته على أشدّ ما يكونون محتاجين إليه ، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ويقال : على حب الله لطلب مرضاته ، وقوله تعالى : (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٨) فالمسكين هو الذي يسأل ، وقيل : هو المتعفّف الذي لا يسأل. واليتيم : الذي لا أب له من يتامى المسلمين. والأسير : الكافر المأسور في أيدي المؤمنين.
قال قتادة : «كان أسيرهم يومئذ من المشركين ، فو الله لأخوك المسلم أعظم حرمة وحقّا عليك» (٢). ويقال : الأسير العبد ، ويستدلّ من هذه الآية على أنّ في إطعام أهل الجوع ثوابا جزيلا من الله تعالى ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [ما من مسلم أطعم مسلما على جوع إلّا أطعمه الله من ثمار الجنّة ، ومن سقى مسلما على ظمأ سقاه الله من الرّحيق].
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٧٢٣). وعزاه السيوطي إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة. في الدر المنثور : ج ٨ ص ٣٦٩.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٧٢٦ و ٢٧٧٢٧).