قرأ نافع وعاصم والأعمش والكسائي وأيوب (سلاسلا) بالتنوين (١) ، وكذلك (قَوارِيرَا ،) وفيه وجهان : أحدهما : أنّ من العرب من يصرف جمع ما لا ينصرف. والثاني : أنّ هذا الجمع أشبه الآحاد ؛ لأنّهم قالوا صواحبات يوسف في جمع صواحب ، وكذلك مواليات في جمع موالي ، فإذا كان صواحب في معنى الواحد ، فكذلك سلاسلا.
قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً) (٥) يعني بالأبرار المطيعين لله الصّادقين في إيمانهم في الدّنيا. وقيل : هم الذين يبرّون الآباء والأمّهات من المؤمنين. وقيل : هم الذين لا يؤدون الذرّ (٢) ولا يرضون بالشرّ. وقوله تعالى (مِنْ كَأْسٍ) أي من خمر ، وقوله تعالى (كانَ مِزاجُها كافُوراً) أي كان مزاج الخمر التي كانت في الكأس كافورا.
قال بعضهم : أراد بذلك ما يشمّ من ريحها من جهة طعمها ، كما روي عن مجاهد أنه قال «يمزج شرابهم بالكافور وريح المسك وطعم الزّنجبيل ، ليس ككافور الدّنيا ولا كمسكها وزنجبيلها ، ولكن وصف الله ما عنده بما عندنا لتهتدي له القلوب». ويقال : يغيّر الله طعم الكافور إلى نهاية ما يشتهى ، فيجتمع طيب الرائحة مع لذة الطّعم.
وقوله تعالى : (عَيْناً ؛) منصوب على البدل من (كافورا) ، ويقال في معنى (يشربون ... عينا) أي من عين فوّارة في أرض الجنة ، وقوله تعالى : (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) (٦) ؛ يجوز أن يكون معناه : يشربها ، يقال : شربت بماء كذا ؛ أي شربته ، ويجوز أن يكون معناه : يشرب بالجنّة أو بالأرض التي بها العين ، كما يقال : شربنا كذا شرابا صافيا.
__________________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ١٢٣ ، وقال : (وقرأ نافع والكسائي وأبو بكر عن عاصم وهشام عن ابن عامر) وذكره. وينظر أيضا : الكشف والبيان : ج ١٠ ص ٩٥.
(٢) الذرّ : جمع ذرّة ، وهي أصغر النمل. وحكاه القرطبي من كلام الحسن رحمهالله. في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ١٢٥.