قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) (١٩) ؛ أي ضجورا شحيحا شديد الحرص مع قلّة الصبر ، وتفسير الهلوع مع ما ذكره الله تعالى ، (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١) ، يعني إذا أصابه الفقر والشدّة جزع فلم يصبر ولم يحتسب ، وإذا أصابه ما يسرّ به من المال والسّعة منع خلق الله منه ولم يشكر.
وعن ابن عبّاس أنّه قال : (الهلوع الّذي يرضى عند الموجود ، ويسخط عند المفقود). وقيل : هو الذي يكون نسّاء عند النّعم ، دعّاء عند المحن ، وهذا كلّه إخبار عما خلق الإنسان عليه من جهة الطّبع ، ثم نهاه عن الجزع والمنع ، يستحقّ بذلك جزيل الثواب.
قوله تعالى : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) (٢٣) ؛ يعني : فإنّهم يغلبون فرط الهلع لثقتهم بربهم ، وثقتهم بمقدوراته ، والمعنى : إلّا المصلّين الصلوات الخمس ، ويدومون عليها ولا يدعونها ليلا ولا نهارا. وعن عمران بن الحصين : أنّ معناه : (هم الّذين لا يلتفتون في صلاتهم يمينا ولا شمالا) (١).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) (٢٤) ؛ يعني الزكاة المفروضة ؛ لأن ما لا يكون مفروضا لا يكون معلوما ، وقوله تعالى : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (٢٥) ؛ السائل : الطّوّاف الذي يسأل الناس ، والمحروم : الذي يحرم وجوه الاكتساب ، لا يسأل ولا يعطى. وعن ابن عبّاس قال : (هو الّذي لا تستقيم له تجارة) (٢). وقيل : هو الذي يسهم له في الغنيمة.
وسئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن المحروم فقال : [هو الّذي تحمّل نخل النّاس ، ولا يحمل نخله ، ويزكو زرع النّاس ، ولا يزكو زرعه ، وتلبن شاء النّاس ولا تلبن شاهه]. ووجه استثناء المصلّين والمنافقين : أنّ المصلّين لا يفعلون ما يفعله الهلوع ؛ لأنّهم يؤدّون حقّ الله ، فإنّ مداومتهم على طاعة الله تمنعهم عن أفعال الكفّار.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٠٧٤) من حديث عقبة بن عامر الجهني.
(٢) في جامع البيان : الأثر (٢٧٠٩٤) عن عكرمة قال : (السّائل الّذي يسألك ، والمحروم الّذي لا ينمى له مال).