قوله تعالى : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) (٥) ؛ أي اصبر يا محمّد على تبليغ الوحي والرسالة وعلى ما يلحقك من الأذيّة من الكفار ، والصّبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى. قوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) (٦) ؛ أي يرون العذاب بعيدا غير كائن ، كما يخبر الرجل عن شيء فيقول : هذا بعيد ؛ أي هذا مما لا يكون ، ونحن ، (وَنَراهُ قَرِيباً) (٧) ؛ أي صحيحا كائنا ؛ لأنّ كلّ ما هو كائن قريب.
ثم أخبر متى يقع العذاب فقال تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) (٨) أي كالصّفر المذاب ، وقيل : كدرديّ الزيت (١) ، وقال الحسن : (مثل الفضّة إذا أذيبت) ، (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) (٩) ؛ أي كالصّوف الأحمر ، وهو أضعف الصّوف ، (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) (١٠) ؛ أي لا يسأل قريبا عن قرائبه لاشتغال كلّ بنفسه من شدّة الأهوال.
وقرأ البزيّ عن ابن كثير (ولا يسأل حميم) بضمّ الياء أي لا يقال لحميم : أين حميمك؟ قال الفرّاء : (ولست أشتهي ذلك ؛ ضمّ اليّاء ؛ لأنّه مخالف لجماعة القرّاء) (٢).
قوله تعالى : (يُبَصَّرُونَهُمْ ؛) أي يعرف الأقارب أقاربهم ساعة من النهار في ذلك اليوم ، ثم لا تعارف بعد تلك الساعة ، فيبصّر الرجل حميمه بعد ذلك فلا يكلّمه. والمعنى : يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه ، ومع ذلك لا يسأله عن شأنه لشغله بنفسه.
قوله تعالى : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ) (١٢) ؛ أي يتمنّى الكافر أن يفدي نفسه من عذاب الله بأولاده وزوجته وأخيه. وقوله تعالى : (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) (١٣) ؛ أي
__________________
(١) الدّرء : الدفع ، وهو ما يستر الزيت من الزبد ، أو يخالطه ، وهو (الكعر) بفتحتين ، فيقال : درديّ الزيت وغيره ما يبقى في أسفله ، وهو آخره وخاثره. مختار الصحاح (عكر) : ص ٤٤٨. و (درد) ص ٢٠٢.
(٢) قاله في معاني القرآن : ج ٣ ص ١٨٤.