قوله تعالى : (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) (٦) ؛ أي بريح باردة شديدة البرد جدّا بالغة منتهاها في الشدّة. والصّرصر : شدّة البرد ، والصّرصر : ما يتكرر فيه البرد الشديد ، كما يقال : صلّ اللجام إذا صوّت ، فإذا تكرّر صوته قيل : صلصل ، والعاتية من قولهم : عتا النبت إذا بلغ منتهاه في الجفاف ، ومن ذلك قوله تعالى : (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا)(١) ، وقيل : معنى عاتية عتت عن خزائنها فلم يكن لهم عليها سبيل ، ولم يعرفوا كم خرج منها.
قوله تعالى : (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ؛) أي أرسلها عليهم سبع ليال وثمانية أيّام حسوما ؛ أي متتابعة لا ينقطع أوّله عن آخره ، كما يتابع الإنسان الكيّ على المقطوع الجسم دمه ؛ أي يقطعه. وفي الحديث : [إنّ هذه الرّيح الّتي أصابتهم كانت قطعة من زمهرير على قدر ما يخرج من حلقة الخاتم](٢). قال وهب : (هذه الأيّام الّتي أرسلت الرّيح على عاد هي أيّام العجوز ذات برد ورياح شديدة ، وانقطع العذاب في اليوم الثّامن). وقيل : سميت أيام العجز ؛ لأنّها في عجز الشّتاء ، ولها أسامي مشهورة تعرف في كتب اللغة.
قوله تعالى : (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى ؛) معناه : فترى أيّها الرّائي القوم في تلك الأيام والليالي صرعى ؛ أي ساقطين بعضهم على بعض موتى ، (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) (٧) ؛ أي كأنّهم أصول نخل ساقطة بالية قد نحرت وتآكلت وفسدت. والصّرعى جمع صريع ، نحو قتيل وقتلى. قوله تعالى : (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) (٨) ؛ أي هل ترى لهم من نفس باقية قائمة ، والمعنى : لم يبق منهم أحد إلّا أهلكته الريح.
وقوله تعالى : (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ ؛) قرأ أبو عمرو والحسن والكسائيّ ويعقوب بكسر (قبله) بكسر القاف وفتح الباء ، ومعناه : وجاءوا فرعون
__________________
(١) مريم / ٨.
(٢) في الدر المنثور : ج ٨ ص ٢٦٤ ؛ قال السيوطي : (أخرجه أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس) وذكره بمعناه. ولم أقف عليه بلفظه.