أي يكرم الله تعالى المؤمنين بهذه الكرامة في يوم لا يسوء الله النبيّ ولا يخجله ولا يسوء (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ؛) والمعنى : لا يدخلهم الله النار.
وقوله : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ؛) ليدلهم في الجنّة ، (وَبِأَيْمانِهِمْ ؛) يعني نور كتابهم الذي يعطونه بها ، (يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا ؛) أي يقولون ذلك بعد ما ذهب نور المنافقين ، والمعنى : أتمم لنا نورنا على الصّراط إلى أن ندخل الجنة ، (وَاغْفِرْ لَنا ؛) ما سلف من ذنوبنا ، (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٨) ؛ من إتمام النور والمغفرة ، فيجيب الله دعاءهم ويفعل ذلك لهم ، فيكون الصّراط على المؤمنين كما بين صنعاء والمدينة ، يمشي عليه بعضهم مثل البرق ، وبعضهم مثل الريح ، وبعضهم كعدو الفرس ، وبعضهم يمشي وبعضهم يزحف ، ويكون على الكافرين كحدّ السيف مذهبه.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ؛) أي جاهد الكفار بالسّيف ، والمنافقين باللّسان بالزّجر والوعظ حتى يسلموا ، وسمّاهما جهادا لاشتراكها في بذل الجهد ، (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ؛) أي على الفريقين بالفعل والقول ، (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٩) ، وبيّن أنّ مصيرهم في الآخرة إلى النار.
وقال الحسن : (كانوا أكثر من كان يصيب الحدود في ذلك الزّمان المنافقون ، فأمر الله أن يغلظ عليهم في إقامة الحدّ) (١). وعن ابن مسعود قال : (إذا لم تقدروا أن تنكروا على الفاجر ـ ف ـ بوجوه مكفهرّة).
قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما ؛) أي فخالفتاهما في الدّين ، قال ابن عباس : (ما بغت امرأة نبيّ قطّ ، فأمّا خيانة امرأة نوح ، فإنّها قالت لقومه : إنّه مجنون فلا تصدّقوه ، وأمّا خيانة امرأة لوط فإنّها كانت تدلّ قومه على أضيافه ، كان إذا نزل بلوط ضيف باللّيل أوقدت النّار ، وإذا نزل بالنّهار أدخنت ليعلم قومه أنّه قد
__________________
(١) ذكره القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٨ ص ٢٠١.