قوله تعالى : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٤) ؛ أي لعنهم الله وأخزاهم وأحلّهم محلّ من يقاتله عدوّا قاهرا له ، (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي يصرفون من الحقّ إلى الباطل.
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٥) ؛ أي إذا قيل لهؤلاء المنافقين بعد ما افتضحوا : هلمّوا إلى رسول الله يستغفر لكم ذنوبكم ، عطفوا رؤوسهم استهزاء به ورغبة عن الاستغفار ، ورأيتهم يصدّون عن الاستغفار وعن طلب المغفرة.
ومعنى (يصدّون) أي يمتنعون ، ويمنعون غيرهم عن طلب المغفرة ، وهم مستكبرون عن استغفار رسول الله لهم وعن قبول الحقّ. وذلك : أنّ عبد الله بن أبيّ لمّا رجع من أحد بكثير من النّاس مقته المسلمون وعنّفوه ، فقال له بنوا أبيه : إئت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى يستغفر لك ، قال : لا أذهب إليه ولا أريد أن يستغفر لي. ومن قرأ (لووا) بالتخفيف فهو من لوى يلوي إذا صرف الشيء وقلبه.
وقوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ؛) أي سواء عليهم الاستغفار وتركه ، (لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٦) ؛ لإبطانهم الكفر. وهذا في قوم مخصوصين علم الله أنّهم لا يؤمنون فلم يستغفر لهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا).
وذلك : أنّ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا نزولا على الماء في غزوة بني المصطلق ، إذ وقع بين غلام لعمر رضي الله عنه من بني غفار يقال له : جهجاه بن سعيد يقود لعمر فرسه وبين غلام لعبد الله بن أبي سلول يقال له : سنان الجهنيّ ، فأقبل جهجاه يقود فرس عمر فازدحم هو وسنان على الماء فاقتتلا ، فصرخ سنان : يا معشر الأنصار ، وصرخ الغفاريّ : يا معشر المهاجرين. فاشتبك النّاس وعلت الأصوات.
فقال عبد الله بن أبيّ : ما أدخلنا هؤلاء القوم في ديارنا إلّا ليركبوا أعناقنا ، والله ما مثلنا ومثلهم إلّا كما يقول القائل : سمّن كلبك يأكلك! أما والله لئن رجعنا إلى