وقال مالك : (إن أراد به اليمين فهو يمين) ، وقال الشافعيّ : (أقسم ليس بيمين ، وأقسم بالله يمين). وفي قراءة الحسن (اتّخذوا إيمانهم) بكسر الألف ، أي إنّا مؤمنون ، اتّخذوه تقية عن القتل.
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) (٣) ؛ أي ذلك الحكم بنفاقهم ، ويقال : ذلك الصدّ بأنّهم كانوا مؤمنين في العلانية بحضرة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فإذا عادوا إلى قومهم ثبتوا على الكفر في السرّ ، فأورث ذلك طبعا على قلوبهم فهم لا يفقهون الإيمان والقرآن ، ولا يعون ما يوعظون به.
قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ؛) أي في صحّة أجسامهم وحسن منظرهم ؛ لأنّهم يكونون على صورة حسنة ، وكان عبد الله بن أبي رجلا فصيحا لسنا ، وكانوا إذا قالوا شيئا أصغى النبيّ صلىاللهعليهوسلم لحسن كلامهم ، ولهذا أدخلت اللام في (تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) ، ويجوز أن يكون معناه : إلى قولهم.
قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ؛) فيه بيان في ترك التفهّم والاستبصار بمنزلة الخشب المسنّدة إلى الجدار ، لا ينتفع إلّا بالنظر إليها ، والخشب لا أرواح فيها ولا تعقل ولا تفهم ، وكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا يعقلونه. و (المسنّدة) الممالة إلى الجدار ، ويقرأ (خشب ، وخشب) بجزم الشّين ، ومنها.
قوله تعالى : (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ؛) أي يظنّون من الجبن والخوف أنّ كلّ من خاطب النبيّ صلىاللهعليهوسلم فإنما يخاطبه في أمرهم وكشف نفاقهم. ويقال : لا يسمعون صوتا إلّا ظنّوا أن قد أتوا (فإذا نادى مناد في العسكر ، وانفلتت دابّة ، أو أنشدت ضالّة ، ظنّوا أنّهم يرادون مما في قلوبهم من الرّعب) (١) أن يكشف الله أسرارهم.
قوله تعالى : (هُمُ الْعَدُوُّ ؛) ابتداء كلام ، والمعنى : هم على الحقيقة العدوّ الأدنى إليك ، (فَاحْذَرْهُمْ ؛) يا محمّد ولا تأمنهم وإن أظهروا أنّهم معك ، ولا تطلعهم على سرّك كأنّهم عيون لأعدائك من الكفّار.
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٣٦٣.