قوله تعالى : (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً ؛) المساكن الطيّبة هي المنازل التي طيّبها الله بالمسك والرياحين ، (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ؛) أي في بساتين إقامة ، يقال : عدن بالمكان إذا أقام به. وقوله تعالى : (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (١٢) ؛ أي ذلك الذي ذكرت لكم هو التجارة العظيمة ، والنعيم المقيم.
قوله تعالى : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها ؛) أي ذلكم خصلة أخرى في العاجلة تحبّونها مع ثواب الآخرة ، وهي الغنيمة والفتح ، (نَصْرٌ مِنَ اللهِ ؛) على أعدائكم ، (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ؛) أي عاجل يعني فتح مكّة ، وقيل : فتح عامّة البلاد. وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١٣) ؛ أي بشّرهم بهاتين النّعمتين : نعمة العاجل ونعمة الآجل ، ومعناه : بشّر المؤمنين يا محمّد بالنصر في الدّنيا والجنّة في الآخرة.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ ؛) أي كونوا أنصار دين الله على أعدائه بالسّيف ودوموا على ذلك ، كما نصر الحواريّون عيسى عليهالسلام.
وقرئ (أنصار الله) من غير تنوين. والأنصار : جمع ناصر ، كصاحب وأصحاب ، والحواريّون : خلصاء الأنبياء الذين نقّوا من كلّ عيب ، ومنه الدّقيق الحواريّ وهو المنقّى.
وقوله تعالى : (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي مع الله كما في قوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ)(١).
وقوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ؛) أي صدّقت جماعة منهم بعيسى ، (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ ؛) وذلك أنه لمّا رفع عيسى عليهالسلام تفرّق قومه ثلاث فرق :
فرقة قالوا كان الله فارتفع ، وفرقة قالوا كان ابن الله فرفعه الله ، وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه الله إليه وهم المؤمنون. فاتّبع كلّ فريق منهم طائفة من الناس ، فاقتتلوا فظهر الفرقتان الكافرتان على المؤمنين حتى بعث محمّد صلىاللهعليهوسلم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة ، فذلك قوله تعالى : (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ
__________________
(١) النساء / ٢.