وقال بعضهم : كلّ الأنبياء أولوا عزم إلّا يونس عليهالسلام ، ألا ترى أنّ نبيّنا صلىاللهعليهوسلم نهي عن أن يكون مثله لخفّة وعجلة ظهرت منه حين ولّى مغاضبا لقومه ، فابتلاه الله بالحوت فابتلعه ، وقيل : أولوا العزم نجباء الرّسل المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر ، قال الله تعالى فيهم (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(١).
وقال مقاتل : (أولوا العزم ستّة : نوح صبر على أذى قومه وكانوا يضربونه حتّى يغشى عليه ، وإبراهيم صبر على النّار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، ويوسف صبر على البئر والسّجن ، وأيّوب صبر على الضّرّ) (٢). قال ابن عبّاس : (العزم : الصّبر) ، وقال القرظيّ : (الرّأي والصّواب).
وقال الحسن : (أولوا العزم أربعة : إبراهيم وموسى وداود وعيسى عليهمالسلام ، أمّا إبراهيم فعزمه أنّه قيل له : أسلم ، فقال أسلمت لرب العالمين ، وابتلي في ولده وماله ونفسه ، فوجد صادقا وافيا في جميع ما ابتلي به ، قال الله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(٣) ، وقال الله تعالى : (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى)(٤) ، وأمّا موسى فعزمه أنّ قومه كلّما قالوا له : إنّا لمدركون ، قال : كلّا إنّ معي ربي سيهدين. وأمّا داود عليهالسلام فعزمه أنّه أخطأ خطيئة فبكى عليها أربعين سنة. وأمّا عيسى فعزمه أن لم يضع لبنة على لبنة زهدا في الدّنيا) (٥).
فكأنّ الله تعالى قال لنبيّه صلىاللهعليهوسلم : فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرّسل ؛ أي كن صادقا فيما ابتليت به مثل صدق إبراهيم عليهالسلام ، وكن واثقا بنصر مولاك مثل ثقة موسى عليهالسلام مهتمّا بما سلف من هفواتك مثل اهتمام داود عليهالسلام ، زاهدا في الدّنيا مثل زهد عيسى عليهالسلام ، فقال الشاعر :
__________________
(١) الآية ٩٠.
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٢٣١. ونقل عنه القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٢٢٠.
(٣) البقرة / ١٢٤.
(٤) النجم / ٣٧.
(٥) ذكره أيضا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٢٢١.