وروي : أنّ عبدا لحاطب جاء يشتكي من حاطب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ليدخلنّ حاطب النّار ، فقال : [كذبت! لا يدخلها أبدا لأنّه شهد بدرا والحديبية](١).
ثم أنزل الله تعالى هذه الآية يعرّف بها النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن حاطبا مؤمن ، فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) معناه : لا تتّخذوا الكافرين أحبّاء في العون والنّصرة ، (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ ؛) أخبار النبيّ صلىاللهعليهوسلم وسرّه ، (بِالْمَوَدَّةِ ؛) التي بينكم وبينهم وتخبرونهم بما يخبر به الرجل أهل مودّته ، (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ؛) جحدوا بما جاءكم من الحقّ يعني القرآن ، ومع ذلك ، (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ ؛) أي يخرجون الرسول من مكّة ويخرجونكم أيضا من دياركم لأجل إيمانكم بربكم.
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي ؛) هذا شرط ، وجوابه متقدّم عليه وهو قوله (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ). تقديره : إن كنتم خرجتم جهادا مجاهدين في طاعتي وسنّتي ومتّبعين مرضاتي ، فلا تتّخذونهم أولياء ، وقوله تعالى : (جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) منصوبان لأنّهما مفعول لهما.
وقوله تعالى : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ؛) أي تخفون مودّتهم ، (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ) ، وأنا أعلم بما تضمرون في صدوركم ، وما تظهرون بألسنتكم. قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ ؛) يعني الإسرار وإلقاء المودّة إليهم ، (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١) ؛ أي فقد أخطأ طريق الهدى ، والمعنى : ومن يفعل منكم يا معشر المؤمنين ما فعل حاطب ، فقد أخطأ طريق الحقّ والهدى.
قوله تعالى : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً ؛) معناه : إن يصادفوكم ويظفروكم في حال لا يخافونكم عليها يظهروا عداوتكم ، (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٨ ص ١٢٨ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي عن جابر) وذكره.