حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة : رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد أن يغزوكم ، فخذوا حذركم. مع أشياء كتب بها يتنصّح لهم فيها ، فمضت سارة بالكتاب.
فنزل جبريل عليهالسلام فأخبر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم بما فعل حاطب ، فبعث النّبيّ صلىاللهعليهوسلم وراءها عليّ بن أبي طالب والزّبير بن العوّام والمقداد ، فخرجوا يعادي بهم خيلهم ، فطلبوا منها الكتاب ، فقالت : ما عندي كتاب ، وحلفت على ذلك ، ففتّشوا متاعها فلم يجدوه ، وقالت : إنّكم لا تصدّقوني حتّى تفتّشوا ثيابي ، واصرفوا وجوهكم عنّي فصرفوها ، فطرحت ثيابها ففتّشوها فلم يجدوا شيئا ، فتركوها وهمّوا بالرّجوع.
فقال عليّ بن أبي طالب : إنّي أشهد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكذبنا ، وإنّها هي الكاذبة فيما تقول ، فسلّ سيفه وقال : أخرجي الكتاب وإلّا والله لأضربنّ عنقك وأقسم على ذلك ، فلمّا رأت الحدّ أخرجته من ظفائر رأسها ، فأخذوه وخلّوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فأرسل إلى حاطب فأتاه ، فقال له : [يا حاطب هل تعرف هذا الكتاب؟] قال : نعم ، قال : [ما حملك على ذلك؟] قال : والله يا رسول الله ما كفرت منذ أسلمت ، ولا غششتك منذ صحبتك ، ولا أحببتهم منذ فارقتهم ، فلا تعجل عليّ يا رسول الله ، إنّي كنت امرءا ملصقا في قريش ، ولم أكن منهم ، ولم يكن أحد من المهاجرين إلّا وله بمكّة من يمنع عشيرته ، وأنا غريب فيهم ، وكان أهلي بين أظهرهم ، فخشيت على أهلي فأردت أن أتّخذ عندهم يدا ، فو الله ما فعلت ذلك شكّا في ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام ، ولا ارتبت في الله منذ أسلمت ، وقد علمت أنّ الله تعالى نزّل عليهم بأسه ، وإنّ كتابي لا يغني عنهم شيئا.
فصدّقه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعذره وقال : [إنّه قد صدق]. فقام عمر رضي الله عنه وقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّه قد شهد بدرا ، وما يدريك أنّ الله تعالى قال لأهل بدر : اعملوا ما شئتم فقد غفر لكم](١).
__________________
(١) الحديث صحيح أصوله في صحيح البخاري : كتاب الجهاد والسير : باب الجاسوس : الحديث (٣٠٠٧). وأخرج ألفاظه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٦٢٩٢ و ٢٦٢٩٣).