وعن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [اتّقوا الشّحّ ، فإنّ الشّحّ أهلك من كان قبلكم ، حملهم أن سفكوا الدّماء واستحلّوا محارمهم](١).
وعن أبي الهيّاج الأسديّ قال : (كنت أطوف بالبيت ، فرأيت رجلا يقول : اللهمّ قني شحّ نفسي ، لا يزيد على ذلك ، فقلت له في ذلك ، فقال : إذا وقيت شحّ نفسي لم أسرق ولم أزن ، وإذا الرّجل عبد الرّحمن بن عوف) (٢).
ويحكى أنّ كسرى قال لأصحابه ذات يوم : أيّ شيء أضرّ بابن آدم؟ قالوا : الفقر ، فقال كسرى : والشّحّ أضرّ من الفقر ؛ لأن الفقير إذا وجد شبع ، وإن الشحيح لا يشبع أبدا (٣).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ؛) يعني التّابعين وهم الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ، قال ابن عمر : (هؤلاء هم التّابعين بالإحسان إلى يوم القيامة). قال ابن أبي ليلى : (النّاس على ثلاثة منازل : الفقراء ، والّذين تبوّءوا الدّار والإيمان ، والّذين جاءوا من بعدهم ، فاجهد أن لا تكون خارجا من هذه المنازل) (٤).
ثم ذكر الله تعالى أنّ هؤلاء التابعين يدعون لأنفسهم وللسّلف الذين سبقوهم ، فقال تعالى (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٠) ؛ أي لا تجعل في قلوبنا غشّا وحسدا وبغضا وحقدا للمؤمنين ، فكلّ من لم يترحّم على جميع الصّحابة وكان في قلبه غلّ لهم على أحد منهم كان خارجا من أقسام المؤمنين ؛ لأنّ الله رتّب المؤمنين على ثلاث مراتب : المهاجرين ، والأنصار ، والتابعين إلى يوم القيامة.
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٣ ص ٣٢٣. ومسلم في الصحيح : كتاب البر والصلة : باب تحريم الظلم : الحديث (٥٦ / ٢٥٧٨).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٦٢٤٨).
(٣) ذكره الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢٨١. وأيضا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٨ ص ٣٠.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٦٢٥٥).