قوله تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٩) ؛ أي من يدفع عنه غائلة نفسه وحرص النفس حتى تطيب نفسه بذلك ، فأولئك هم النّاجون السّعداء ، الباقون في الآخرة. والشّحّ في الآخرة : منع النّفع ، وأمّا في الدّنيا فهو منع الواجب ، وفي الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : [برئ من الشّحّ من أدّى زكاة ماله ، وأقرى الضّيف ، وأعطى في النّائبة](١). وقال سعيد بن جبير : (شحّ النّفس هو أخذ الحرام ومنع الزّكاة).
وجاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال : لقد خفت أن لا تصيبني هذه الآية (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) والله ما أقدر أعطي شيئا أطيق منعه ، فقال عبد الله : (إنّما ذلك البخل وبئس الشّيء البخل ، ولكنّ الشّحّ أن تأخذ مال أخيك بغير حقّه) (٢).
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [لا يجتمع الشّحّ والإيمان في قلب رجل مسلم ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنّم في جوف مسلم قطّ](٣).
واختلف العلماء في الشّحّ والبخل ، فقال بعضهم : هما واحد ، وهو منع الفضل. وقال بعضهم : بينهما فرق ، والبخل أن بيخل الرجل بما في يده ، والشحّ أن يبخل بما في أيدي الناس.
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٤ ص ١٨٩ : الحديث (٤٠٩٦) عن خالد بن زيد الأنصاري. وفي الإصابة في معرفة الصحابة : ج ٢ ص ٢٣٦ : الرقم (٢١٦٨) قال ابن حجر : (روى أبو يعلى الطبراني) وذكره. وقال : (إسناده حسن لكن ذكره البخاري وابن حبان في التابعين). وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان : باب في الجود والسخاء : الحديث (١٠٨٤٢) عن أنس بن مالك. والطبري في جامع البيان : الحديث (٢٦٢٤٩).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٦٢٤٧).
(٣) أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٣٤٢. والنسائي في السنن : كتاب الجهاد : باب فضل من عمل في سبيل الله على قدره : ج ٦ ص ١٣ ـ ١٤. والحاكم في المستدرك : كتاب الجهاد : باب أي المؤمنين أكمل ايمانا : الحديث (٢٤٤١) وذكر له شاهدا وقال : (صحيح على شرط مسلم). وأخرجه ابن حبان في الصحيح : كتاب الزكاة : الحديث (٣٢٥١).