وبلغنا في فضائل عمر بن عبد العزيز أنه كان يمشي بأرض فلاة ، فإذا حية ميتة فكفنها بفضلة من ردائه ودفنها ، فاذا قائل يقول يا سرق اشهد لسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ستموت بأرض فلاة فيكفنك ويدفنك رجل صالح ، فقال من أنت رحمك الله؟ فقال رجل من الجن الذين استمعوا القرآن من رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يبق منهم إلا أنا وسرق (١) ، وهذا سرق قد مات.
وقد قتلت عائشة رضي الله عنها حية رأتها في حجرتها تستمع وعائشة تقرأ فأتيت في المنام فقيل لها : إنك قد قتلت رجلا مؤمنا من الجنّ الذين قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالت : لو كان مؤمنا ما دخل على حريم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقيل لها : ما دخل عليك إلّا وأنت متقنّعة ، وما جاء إلّا ليستمع الذّكر ، فأصبحت عائشة فزعة واشترت رقابا فأعتقتهم (٢).
ويقال : الذين جاءوا ليستمعوا القرآن كانوا يهودا فأسلموا ، ولذلك قوله تعالى : (قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٠).
قوله تعالى : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ ؛) يعني محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٣١) ؛ فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجنّ ، فرجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فواقفوه بالبطحاء ، فقرأ عليهم القرآن ، فقال بعضهم : أمرهم ونهاهم.
واختلف العلماء في مؤمني الجنّ ، فقال بعضهم : ليس لمؤمني الجنّ إلّا نجا منهم من النار ، وتأوّلوا فيه ، قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، وعن الليث أنه (الجنّ ثوابهم أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم : كونوا ترابا مثل البهائم) (٣). وقال آخرون : إذا كان عليهم العقاب في الإساءة ، وجب أن يكون لهم
__________________
(١) نقله القرطبي عن السهيلي كما في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٢١٤.
(٢) نقله القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٢١٥.
(٣) ذكره أيضا البغوي في معالم التنزيل : ص ١١٩٢. ونقله القرطبي عن أبي حنيفة كما في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٢١٧.