ثم رجع كعب بن الأشرف وأصحابه إلى المدينة. فنزل جبريل عليهالسلام على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأخبره بأمرهم وقال له : [إنّ الله يأمرك بقتل كعب بن الأشرف] فجمع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أصحابه وأخبرهم بما صنع كعب بن الأشرف وقال لهم : [إنّ الله أمرني بقتله ، فانتدبوا إلى ذلك].
فانتدب رهط منهم وفيهم محمّد بن مسلمة ، وكان أخا كعب من الرّضاعة وحليفه ، فانطلقوا في أوّل اللّيل إلى دار كعب ، فناداه محمّد بن مسلمة فاستنزله من داره ، وأوهمه أنّه يكلّمه في حاجة ، فلمّا نزل أخذ محمّد بن مسلمة بناصيته وكبّر ، فخرج أصحابه وكانوا من وراء الحائط ، فضربوه حتّى برد مكانه ، فصاحت امرأته وتصايحت اليهود ، فخرجوا إليهم وقد رجع المسلمون.
فجاء المسلمون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأخبروه بذلك ، فلمّا أصبح النّبيّ صلىاللهعليهوسلم خرج إليهم غازيا ، فتحصّنوا في دورهم فوجدهم في قرية لهم يقال لها (زهوة) وهم ينوحون على كعب وكان سيّدهم ، فقالوا : يا محمّد ؛ باغية على إثر ناعية ، وباكية على إثر باكية؟ قال : [نعم] قالوا : ذرنا نبكي شجوا على كعب.
وقد كان عبد الله بن أبي سلول المنافق وأصحابه أمر إلى اليهود سرّا بأن لا تخرجوا من الحصن ، وقاتلوا محمّدا وأصحابه ، فإن قاتلوكم فنحن معكم ولا نخذلكم ولننصرنّكم ، ولئن أخرجتم لنخرجنّ معكم. فدربوا على الأزقّة وحصّنوها ، فحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إحدى وعشرين ليلة.
فلمّا عجزوا عن مقاومة المسلمين وآيسوا من نصر المنافقين لهم طلبوا الصّلح ، فأبى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا أن يخرجوا من مدينتهم على ما يأمرهم به ، فقبلوا ذلك ، فصالحهم على الجلاء ، وعلى أن يحمل كلّ أهل ثلاثة أبيات من متاعهم على بعير واحد ما شاء ، ولنبيّ الله ما بقي ، ويخرجوا إلى الشّام ، ففعلوا ذلك وخرجوا إلى الشّام إلى أدرعات وأريحا والحيرة وخيبر.