وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ ؛) معناه : إنّ الله يعلم بكلّ ما في السّموات وكلّ ما في الأرض مما ظهر للعباد ، (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(١).
وقوله تعالى (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ) يعني المسّار ؛ ما تناجي به صاحبك من شيء إلّا هو رابعهم بالعلم ، يعني نجواهم معلومة عنده كما تكون معلومة عند الرابع الذي هم معهم ، (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا) ، ولا أقلّ من ثلاثة ولا أكثر من الخمسة إلّا وهو عالم بهم وقادر عليهم في أيّ موضع كانوا ، (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ ؛) عند الجزاء والحساب ، (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٧) ؛ وهذه الآية نزلت في اليهود والمنافقين لمّا أعياهم الإسلام وظهوره وجعلوا يتناجون فيما بينهم فيوهمون المؤمنين أنّهم يتناجون فيما يسوءهم.
وكانوا إذا خرجت سريّة من سرايا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرأى هؤلاء رجالا ممّن خرج لهم في السريّة صديق أو قريب تناجوا فيما بينهم ليظنّ الرجل أنه حدث بصاحبه حادث فيحزن عليه لذلك. فلمّا كثر ذلك وطال شكوا ذلك إلى رسول صلىاللهعليهوسلم فنهاهم عن المناجاة دون المسلمين ، فلم ينتهوا وعادوا إلى مناجاتهم ، فأنزل الله :
قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ؛) معناه : ألم تر إلى هؤلاء الذين نهاهم الله عن مناجاة بعضهم بعضا دون المؤمنين في الآية التي قبل هذه ، ثم عادوا إليها مغايظة لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويتشاورون فيما بينهم بالكذب والاعتداء ، ويوصي بعضهم بعضا بمخالفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، (وَإِذا جاؤُكَ ؛) يا محمّد ، (حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ؛) أي سلّموا عليك بما لم يسلّم به الله عليك.
__________________
(١) يونس / ٦١.