قوله تعالى : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ ؛) وهم اليهود والنصارى ، وموضع (وَلا يَكُونُوا) النصب عطفا على قوله تعالى (أَنْ تَخْشَعَ) و (وَلا يَكُونُوا) ، قال الأخفش : (وإن شئت جعلته نهيا) وهذه زيادة في وعظ المؤمنين ، معناه : ولا يكونوا في قساوة القلوب كالذين أعطوا التوراة والإنجيل من قبل المؤمنين ، (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ ؛) الزمان بينهم وبين أنبيائهم ، (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ؛) قال ابن عباس : (مالوا إلى الدّنيا وأعرضوا عن مواعظ الله ، فلم تلن قلوبهم عند سماع كلام الله تعالى) (١). وقوله تعالى : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (١٦) ؛ أي خارجون عن طاعة الله ، وإنّما قال (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ) لأنه كان منهم من أسلم.
قوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧) ؛ تنبيه على الاستدلال بإحياء الأرض بعد موتها على البعث والنّشور.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ ؛) قرأ ابن كثير وعاصم بتخفيف الصّاد من التّصديق ، تقديره : إنّ المؤمنين والمؤمنات ، وقرأ الباقون تشديدها ، يعني المصّدّقين من الصّدقة ، أدغمت التاء في الصاد ، (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) بالصّدقة والنفقة في سبيله ، (يُضاعَفُ لَهُمْ) ، قرأ ابن كثير وابن عامر (يضعّف) بالتشديد ، وقوله : (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١٨) ؛ يعني الجنّة.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ؛) واحدهم صدّيق وهو الكثير الصّدق ، والصّدّيقون لم يشكّوا في الرّسل حين أخبروهم ، ولم يكذّبوهم ساعة.
قوله تعالى : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ؛) قال بعضهم : تمام الكلام عند قوله (الصّدّيقون) ، ثم ابتدأ فقال : (والشّهداء عند ربهم) وخبره : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) والشهداء على هذا القول يحتمل أنّ المراد بهم الأنبياء عليهمالسلام الذين يشهدون يوم القيامة لمن صدّق بالتصديق وعلى من كذب بالتكذيب ، ويحتمل أنّ المراد بهم الذين قتلوا في سبيل الله.
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٢٨٧.