قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ؛) الخطاب لأهل مكّة ، والمعنى : ولقد مكّنا عادا فيما لم نمكّنكم فيه من البسطة في المال والولد وزيادة القوّة والقامة وشدّة الأبدان ، قال المبرّد : (ما) في قوله (فيما) بمنزلة (الّذي) و (إن) بمنزلة (ما) (١).
وتقديره : ولقد مكنّاهم في الذي ما مكنّاكم فيه ، (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً ؛) أي قلوبا يعقلون بها فلم ينفعهم ذلك من عذاب الله إذ نزل بهم بسبب أنّهم ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ ؛) دلائل الله ، (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢٦) ؛ أي نزل بهم عقاب استهزائهم بالرّسل ، أخبر الله أنّهم أعرضوا عن قبول الحجج والتفكّر فيما يدلّهم على التوحيد ما أعطاهم الله من الحواسّ التي تدرك بها الأدلّة.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى ؛) هذه زيادة التخويف لأهل مكّة ، والمعنى : ولقد أهلكنا ما حولكم من أهل القرى مثل عاد وقوم تبّع باليمن وقوم صالح بالحجر وقوم لوط على طريقكم بالشّام ، أراد بالقرى المهلكة باليمن والشّام. قوله تعالى : (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٢٧) ؛ وبيّنا لكم الآيات في كلّ وجه لكي ترجعون من الكفر إلى الإيمان ، وقيل : معناه : وبيّنا الآيات لعلّ أهل القرى يرجعون.
وقوله تعالى : (فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً ؛) فهلّا حين نزل بهم العذاب أعانهم الذين عبدوهم من دون الله ليقرّبوهم إلى الله في زعمهم ، وقوله تعالى : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ؛) أي بل ما نفعوهم ، وقوله تعالى : (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ ؛) أي إنّ دعاءهم آلهتهم هو إفكهم وافتراؤهم ، (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٢٨) ، يعني اتّخاذهم الآلهة من دون الله هو كذبهم وافتراؤهم على الله أنّها آلهة.
__________________
(١) في معاني القرآن وإعرابه : ج ٤ ص ٣٤٠ ؛ قال الزجاج : (.. (إن) ههنا في معنى (ما) و (إن) في النفي مع (ما) التي في معنى (الذي) أحسن في اللفظ من (ما) ...).