وقيل : معنى الآية : لا يعمل به إلّا الموفّقون. وقيل : لا يجد حلاوته إلّا المفسّرون. وقيل : معناه : لا يقرؤه إلّا الموحّدون المطهّرون من الشّرك ، وكان ابن عبّاس (ينهى أن يمكّن اليهود والنّصارى من قراءة القرآن). وقيل : معناه : لا يجد لذته إلّا من آمن به. وقيل : لا يوفّق للعمل به إلّا السّعداء.
فظاهر الآية : لا يجوز للمحدث مسّ المصحف ، وإن كان ظاهرها نفي ، فمعناه : النهي ؛ أي لا يمسّ المصحف إلّا المطهّرون من الأحداث ، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء.
وذهب حكيم وداود بن عليّ إلى أنه يجوز للمحدث مسّ المصحف اذا كان مسلما ، ولا يجوز ذلك للمشرك.
والدليل على أنه لا يجوز للمحدث مسّه قوله عليهالسلام : [لا تمسّ القرآن إلّا وأنت طاهر](١) وعليه إجماع الصّحابة. وسئل عليّ رضي الله عنه : أيمسّ المحدث المصحف؟ فقال : (لا).
قوله تعالى : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) (٨١) ؛ معناه : أفبهذا القرآن الذي يقرأ عليكم يا أهل مكّة أنتم تكفرون وتكذّبون. والمدهن والمداهن : الكذاب المنافق. وقيل : معنى تدهنون : تظهرون خلاف ما تضمرون ، مأخوذ من الدّهن ومداهنة العدوّ وملاينته ومصانعته وإظهار مسالمته خلاف ما يضمر.
قوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٨٢) ؛ أي وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون بنعمة الله عليكم ، فيقولون : سقينا بنوء كذا. وذلك أنّهم كانوا يقولون : مطرنا بنوء كذا ، لا ينسبون السّقيا إلى الله عزوجل ، فقيل لهم : وتجعلون شكر رزقكم التكذيب ؛ أي تجعلون بدل شكركم تكذيبكم بأنه من عند الله الرزّاق.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [لو حبس الله عن أمّتي المطر سبع سنين ثمّ أنزل عليهم الماء لأصبحت طائفة منهم يقولون :
__________________
(١) أخرجه الدارقطني في السنن : ج ١ ص ٢١.