قوله تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) أي خلقناهنّ لأوليائنا بلا ولادة ولا تربية ، بخلاف نساء الدّنيا. وقيل : المراد بهذه الآية نساء أهل الدّنيا يخلقن خلقا بعد خلق ، كما روي في بعض الأحاديث : [أنّهنّ عجائزكم في الدّنيا جعلن صبايا ، ويلبسن من الحسن والجمال أكثر ممّا يلبس الحور العين ؛ لأنّهنّ عملن في الدّنيا ، والحور لم يعملن](١).
قوله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) (٣٨) ؛ العرب : جمع عروب ، وهي المتحببة إلى زوجها اللّاعبة معه أنسا به ومحبّة له ، قال المبرّد : (هي العاشقة لزوجها الحسنة التّبعّل لذيذة الكلام).
قوله تعالى : (أَتْراباً) أي مستويات في السنّ على ميلاد واحد ، كلّهن في سنّ ثلاث وثلاثين سنة ، سنّهنّ مثل سنّ أزواجهن ، ومثل هذا يكون أبلغ في اللّذة. قوله (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) أي جميع الذي ذكرناه لأصحاب اليمين. وقيل : معناه : فأنشأناهنّ إنشاء لأصحاب اليمين.
قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) (٤٠) أي جماعة من أوائل الأمم ، وجماعة من أمّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم. وروي : أنّه لمّا أنزل الله تعالى (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) بكى عمر رضي الله عنه وقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومن ينجو من قليل؟ فأنزل الله (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ).
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : [يا ابن الخطّاب ؛ قد أنزل الله فيما قلت ، فجعل ثلّة من الأوّلين وثلّة من الآخرين] فقال عمر رضي الله عنه : (رضينا عن ربنا وتصديق نبيّنا صلىاللهعليهوسلم ؛ من آدم إلينا ثلّة ، ومنّا إلى يوم القيامة ثلّة) (٢). وقال مجاهد والضحاك : (الثّلّتان جميعا
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٨ ص ١٦ ؛ قال السيوطي : (أخرجه الطبراني في الأوسط عن عائشة) وذكره بمعناه. وأخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٥٨٥٣) عن أم سلمة بمعناه أيضا. وفي مجمع الزوائد : ج ٧ ص ١١٩ ؛ قال الهيثمي : (رواه الطبراني وفيه سلمان بن أبي كريمة ، ضعفه أبو حاتم وابن عدي).
(٢) أخرجه الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢١١. والبغوي في معالم التنزيل : ص ١٢٦٩ ـ ١٢٧٠. وفي الدر المنثور : ج ٨ ص ٧ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن مردويه وابن عساكر من طريق عروة بن رويم عن جابر بن عبد الله) وذكره.