قوله تعالى : (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً ؛) أي يتعاطون ويتناولون فيها آنية مملوءة من الخمر ، هذا من يد ذاك ، وذاك من يد هذا ، ولا يكون الكأس في اللغة إلّا إذا كان مملوءا ، فإذا كان فارغا فليس بكأس.
قوله تعالى : (لا لَغْوٌ فِيها ؛) أي لا يجري بينهم كلام لغو ولا باطل ، ولا تخاصم ، (وَلا تَأْثِيمٌ) (٢٣) ؛ أي لا يكون منهم في حال شربها ما فيه إثم كما يكون في خمر الدّنيا ، وقال ابن قتيبة : (معناه : لا تذهب بعقولهم فيلهوا ويرفثوا كما يكون من خمر الدّنيا ، ولا يكون منهم ما يؤثمهم) ، والمعنى : أنّ تلك الكأس لا تجعلهم آثمين.
قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ ؛) أي يطوف عليهم الخدمة بالفواكه والأشربة وصفاء (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ ؛) في الحسن والبياض ، (مَكْنُونٌ) (٢٤) ؛ مصون لا تمسّه الأيدي.
قال قتادة : (ذكر لنا : أنّ رجلا قال : يا نبيّ الله ؛ هذا الخادم فكيف المخدوم؟ فقال : [والّذي نفسي بيده ؛ إنّ فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب]) (١). قالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إنّ أدنى أهل الجنّة من ينادي الخادم من خدمة ، فيجيبه ألف يقولون كلّهم : لبّيك لبّيك لبّيك](٢).
قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٢٥) ؛ أي أقبل بعضهم على بعض في الزّيادة يتحدّثون في الجنّة ، ويتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدّنيا ، ويتساءلون عن أحوالهم التي كانت في الدّنيا.
وقوله تعالى : (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) (٢٦) ؛ معناه : إنّهم يقولون إنّا كنّا من قبل أن ندخل الجنّة خائفين في الدّنيا من القيامة وأهوالها ، ومن النار وعذابها بمعصية وقعت منّا أو تقصير في طاعتنا ، (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا)
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٥٠٥٤).
(٢) ذكره الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب : الحديث (٨٣١).