الكافر ، يدلّ عليه قوله تعالى : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا ؛) اليوم في الدّنيا ، (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ ؛) الذي كان في الدّنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك ، (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢) ؛ أي فأنت اليوم عالم نافذ البصر ، تبصر ما كنت تنكر في الدّنيا. وقيل : معناه : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) أي فعلمك نافذ ، وهو من البصيرة لا بصر العين ، كما يقال : فلان بصير بهذا الأمر ؛ أي عالم به. وقيل : معناه : فبصرك اليوم شاخص لما ترى من الهول.
قوله تعالى : (وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (٢٣) ؛ يعني الملك الذي يكتب عمله السّيّء في الدّنيا يقول : هذا الذي كتبته من عمله معدّ محفوظ محصى ، يعني أن الملك يقول : لديه هذا الذي وكّلتني به قد أحضرته ، فيقول الله تعالى لقرينه : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ ؛) إطرحا فيها ، (كُلَّ كَفَّارٍ ؛) بالله وبنعمته ، (عَنِيدٍ) (٢٤) ، معرض عن الإيمان والقرآن إعراض المضادّ له. وهذا خطاب الواحد بلفظ التّثنية على عادة العرب ، يقولون للواحد : ارحلاها وآزجراها (١). وقيل : الخطاب لخازن النّار ، ومخاطبة الواحد بلفظ الاثنين من فصيح كلام العرب ، ومنه قولهم للواحد في الشّعر (خليليّ) ، قال امرؤ القيس :
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب |
|
نقضّ لبانات للفؤاد المعذب |
وقال :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل |
|
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل |
وقال الفرّاء والسديّ وأبو ثروان (٢) :
فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر |
|
وإن تدعاني أحم عرضا ممنّعا |
ومنه قول الحجّاج : (يا حرسيّ إضربا عنقه) (٣) ، قال الزجّاج : (تثنية على
__________________
(١) في معاني القرآن : ج ٣ ص ٧٨ ؛ قال الفراء : (وسمعت بعضهم : ويحك! ارحلاها وازجراها).
(٢) سويد بن كراع ، من بني عكل ، شاعر فارس (؟؟ ـ ١٠٥ ه). وذكره الفراء في معاني القرآن : ج ٣ ص ٧٨. وذكر القرطبي هذه الشواهد الشعرية أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٧ ص ١٦.
(٣) نقله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٥ ص ٣٨.