المؤمنين ، فاللام للعهد أو (١) ليس لأحد فيها سواكم حق فاللام للجنس (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) أي أحبوه واسألوه من الله بالقلب واللسان (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٩٤] في قولكم أن الجنة لكم خاصة ، روي : أن النبي عليهالسلام قال لهم عند ذلك : «قولوا اللهم أمتنا فو الذي نفسي بيده لا يقول رجل منكم إلا غص بريقه» (٢) ، أي يموت في مكانه ، وما بقي على وجه الأرض يهودي فأبوا عن قول ذلك فنزل (٣)(وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) أي الموت (أَبَداً) أي في جميع الزمان المستقبل ، وهو من المعجزات ، لأنه إخبار بالغيب ، وكان (٤) كما أخبر به ، إذ لو تمنوا لنقل ذلك إلينا ، إذ ليس التمني من أعمال القلب ، بل هو قول باللسان ليت لي كذا ، وليت : كلمة التمني ، ومحال أن يقع التحدي بما في الضمير والقلب ، وفيه دليل على أن (لَنْ) ليس للتأبيد ، لأنهم يتمنون الموت في الآخرة ولا يتمنونه في الدنيا (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي بسبب عملهم المعاصي وكذبهم في دعويهم وأسند الفعل إلى الأيدي ، لأن الأعمال يكون بها غالبا (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [٩٥] فيجازيهم ، وفيه تهديد شديد لهم ، لأن علمه بهم كعلمه بغيرهم.
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (٩٦))
ثم أخبر تعالى (٥) نبيه عن حال اليهود بقوله توبيخا لهم (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) أي على حياة متطاولة ، فالتنوين للنوع ، من وجد بمعنى علم المتعدي إلى مفعولين ، وهما «هم» و «أحرص» ، وهو أفعل التفضيل الذي إذا أضيف إلى متعدد هو منه لم يحتج إلى ذكر من للتفضيل كقولك : زيد أفضل الناس ، لأن المراد تفضيل الشيء على نفسه ، ولا يضاف إلى ما هو غير داخل فيه فلا يقال : زيد أفضل إخوته ، لأنه خارج عنهم وإلا لزم تفضيل الشيء على نفسه ، بل يقال زيد أفضل الإخوة ، وعليه قوله تعالى (أَحْرَصَ النَّاسِ) ، لأن اليهود من الناس ، ثم زاد في توبيخهم بقوله (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي ولتجدن اليهود أحرص من المشركين ، وإنما أظهر فيه «من» ، لأن اليهود ليس بعض المشركين ، لأن المراد منهم المجوس ، لأن حرصهم شديد لعدم إيمانهم بالبعث لإشراكهم أو عطف على المعنى ، لأن معنى (أَحْرَصَ النَّاسِ) أحرص من الناس ، قيل : ويجوز أن يكون التقدير : وأحرص من الذين أشركوا ، حذف الثاني لدلالة الأول عليه (٦) ، وإنما كان هؤلاء أحرص من الذين أشركوا على الحيوة ، لأنهم عالمون بأنهم يعذبون بالنار لا محالة ، والمشركون لا يعلمون ، بل لا يعرفون إلا الحيوة الدنيا ، لأنها جنتهم ولذلك أفرد بالذكر مع كونهم داخلين في الناس لشدة حرصهم عليها ، فكأنهم ليسوا بعضهم ، وقيل : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) كلام مستأنف ، أي ومنهم ناس (٧)(يَوَدُّ) أي يتمني (أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ) أي أن يطول عمره (أَلْفَ سَنَةٍ) قيل : المجوس يقولون فيما بينهم عند العطاس وغيره : عش ألف سنة (٨) ، واليهود أحرص منهم على الحيوة والتعمير (وَما هُوَ) أي ليس أحدهم (بِمُزَحْزِحِهِ) أي بمبعده ومنجيه (مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ) أي تعميره ، رفع فاعل (بِمُزَحْزِحِهِ) أو بدل من «هو» ، وهو عائد للتعمير ، يعني ما أحدهم ينجيه طول عمره من النار ولو عاش ألف سنة كما تمنى (وَاللهُ بَصِيرٌ) أي عالم حقيقة (بِما يَعْمَلُونَ) [٩٦] بالياء غيبة (٩) فيجازيهم بأعمالهم.
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧))
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) قرئ بفتح الجيم وكسر الراء بلا همز وبفتحهما وكسر الهمزة مع الياء
__________________
(١) أو ، ب س : أي ، م.
(٢) انظر السمرقندي ، ١ / ١٣٨. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.
(٣) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ١٣٨.
(٤) وكان ، ب س : فكان ، م.
(٥) أخبر تعالى ، ب س : أخبر الله تعالى ، م.
(٦) أخذ هذا الرأي عن الكشاف ، ١ / ٨٢.
(٧) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ١ / ٨٢.
(٨) نقله المؤلف عن البغوي ، ١ / ١٢٣.
(٩) «يعملون» : قرأ يعقوب بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيب. البدور الزاهرة ، ٣٧.