ذات نفسك ، فقال : «أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن بما لا أعلم» (١).
فالسماع شرط على من يفسره ولو كان واقفا على أحوال التنزيل ووجوه اللغة والإعراب ، والثاني لا يحتاج إلى السماع بعد أن وقف على أحوال التنزيل ووجوهه لغة وإعرابا وطرق استعمال الألفاظ على المعاني المرادة حقيقة ومجازا وصراحة وكناية ، ووفقه الله بنور البصيرة لأن يقف على أسرار القرآن وكيفية استنباط المعاني المكنونة تحت كلماته المصونة لتعلقه بالدراية لقول النبي عليهالسلام لابن عباس رضي الله عنه : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (٢) ، ولقول علي رضي الله عنه : «لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب» (٣) ، أشار به إلى كثرة معاني القرآن وأسراره ، لا يطلع عليها إلا من وفقه الله بنور البصيرة الخاصة ، قال أبو الليث رحمهالله في تفسيره : «إذا لم يعلم الرجل وجوه اللغة وأحوال التنزيل فتعلم التفسير وتكلف حفظه فلا بأس بأن يفسره كما سمع ويكون ذلك على سبيل الحكاية» (٤) ، ففيه إشارة إلى جواز نقل المسموع من التفسير إلى الغير من غير تبديل المعنى.
ومنها معرفة الناسخ والمنسوخ لما روي عن السلف : أن من تكلم في شيء من علم التنزيل ولم يعلم الناسخ من المنسوخ كان ناقصا ، وقد روي المنع عن علي رضي الله عنه حين دخل في المسجد ورأى رجلا يفسر القرآن والناس حوله ، فقال له : «أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : لا ، فقال : هلكت وأهلكت ، لا تفسر بعد» (٥) ، ولأن النسخ بيان منتهى الحكم ، والحكم قد يختلف بتبدل مصالح الخلق على اختلاف الأزمنة ، فجاز ذلك.
ومنها معرفة المكي والمدني لجواز اختلاف الحكم باختلاف التاريخ والنسبة إلى مكة أو المدينة ، وتحققها باعتبار إقامة النبي عليهالسلام باحديهما سواء نزلت الآية فيها أو في الخارج عنها ، حيث كان صلىاللهعليهوسلم قريبا منها أو بعيدا ، وقيل : باعتبار البلد وقربه (٦).
ومنها معرفة نظم التركيب والترتيب بالأصول المعتبرة في فن البلاغة والفصاحة ، فان من تصدى لتفسير القرآن وقد عري عنها احتجت عنه مستودعات حقائقه ومسترات دقائقه ، وبالله أستعين على إتمام ما نويته ، وأستعيذ من الزلق فيما نحوته ، وأسأله أن يلهمني ما أراد من كتابه العزيز ، ويهديني إلى تحقيقه من البارز والكنيز ، أنه خير مسؤول وأكرم مأمول.
__________________
(١) انظر الطبري ، ١ / ٧٨ ؛ والسمرقندي ، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم ، تفسير القرآن العظيم ، (تحقيق وتعليق : الشيخ علي محمد معوض ، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الدكتور زكريا عبد المجيد النوتي) ، بيروت ، ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٣ م ، ١ / ٧٣ ؛ والبغوي ، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء ، معالم التنزيل في التفسير والتأويل ، بيروت ـ لبنان ، ١٤٠٥ ه ـ ١٩٨٥ م ، ٥ / ٥٢٤.
(٢) أخرجه أحمد بن حنبل ، مسند ، إسطنبول ، ١٩٨٢ ، ١ / ٢٦٦ ، ٣١٤ ، ٣٢٨ ، ٣٣٥.
(٣) ولم أعثر على هذا القول في المصادر.
(٤) السمرقندي ، ١ / ٧٣.
(٥) انظر أبو جعفر النحاس ، محمد بن أحمد بن إسمعيل ، كتاب الناسخ والمنسوخ ، مصر ، ١٣٢٣ ـ ١٩٠٥ ، ٥ ؛ وهبة الله بن سلامة ، أبو القاسم ، الناسخ والمنسوخ ، نيجيريا ، ١٣٨٧ ـ ١٩٦٧ ، ٤.
(٦) لعله اختصره من البرهان ، انظر الزركشي ، ١ / ١٨٧.