(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥))
قوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) خطاب للأولياء في أموالي اليتامى ، أي لا تعطوا المبذرين من الرجال والنساء والصبيان (أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ) أي قدرها (اللهُ لَكُمْ قِياماً) وقيما كلاهما مصدر قام ، يعني جعلها الله لكم سبب قيامكم تقومون بها في منافعكم وتتعيشون ولو ضيعتموها لضعتم من حيث الاحتياج لانعدام سبب معائشكم (١) ، فكانت الأموال في أنفسها قيامكم ومعاشكم ، ولذلك قال السلف : المال سلاح المؤمن (٢) ، أي من الفقر الذي يهلك دينه ، وقيل : اكتسبوا المال ، فانكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه (٣) ، فاحفظوا أموالكم من السفهاء (وَارْزُقُوهُمْ) أي اجعلوا لهم (فِيها) رزقا ، ويجوز أن يكون «في» بمعنى من (وَاكْسُوهُمْ) لمن يجب عليكم رزقه ومؤنته (٤)(وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [٥] أي وعدا جميلا إذا طلبوا منكم النفقة بأن يقول الولي أو الوصي : سأفعل ذلك أو إن ربحت أو غنمت أعطيتك ، وقيل : معناه لا يجعل الرجل ماله في يدي امرأته وأولاده ، ثم يجعل نفسه محتاجا إليهم (٥) ، وهو خلاف الظاهر.
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً (٦))
(وَابْتَلُوا الْيَتامى) أي جربوا عقولهم بأن يعطي اليتيم من المال ما يتصرف فيه قبل البلوغ حتى يستبين حاله فيما يجيء منه ، وهو معنى الابتلاء عند أبي حنيفة رحمهالله (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ) أي صاروا أهلا أن ينكحوا ، وجواب «إذا» (فَإِنْ آنَسْتُمْ) أي أبصرتم (مِنْهُمْ رُشْداً) أي هداية إلى مصالحهم وإلى وجوه التصرف ، وعند الشافعي رحمهالله الابتلاء أن يتبع أحواله وتصرفه في الأخذ والإعطاء ويتبصر ميله إلى الصلاح في الدين ، لأن الفسق مفسدة للمال (فَادْفَعُوا) أي سلموا (إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) التي معكم عند البلوغ ، وهو جواب «إن» الشرطية ، قيل : إن لم يونس منه رشد (٦) بعد البلوغ فعند أبي حنيفة رضي الله عنه ينظر إلى خمس وعشرين سنة ، وعند غيره لا يدفع إليه أبدا ، وتنكير الرشد يدل على نوع من الرشد أو مخيلة من مخايله حتى لا ينتظر منه تمام الرشد (٧) ، ثم نهى الأوصياء عن أكل أموال اليتامى بقوله (٨)(وَلا تَأْكُلُوها) أي أموالهم (إِسْرافاً) أي بغير حق (وَبِداراً) أي إسراعا ، كلاهما مفعول لهما ، أي لإسرافكم ومبادرتكم في أكله ، ويجوز أن يكونا حالين ، أي مسرفين ومبادرين (أَنْ يَكْبَرُوا) أي مخافة أن يبلغوا ويتجاوزوا عن حد الصغر فيأخذوا أموالهم منكم ، ثم بين حال الأوصياء بقوله (٩)(وَمَنْ كانَ غَنِيًّا) من الأوصياء (فَلْيَسْتَعْفِفْ) أي ليطلب العفة من نفسه ، يعني ليمتنع عن أكلها اغتناء بماله ويقنع به ولا يطمع في مال اليتيم إشفاقا عليه إبقاء على ماله (وَمَنْ كانَ فَقِيراً) منهم (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) أي بما عرف في الشرع (١٠) ، وهو يدل على أن للوصي حقها فيها (١١) لقيامه عليها فليأكل منها على قدر قيامه عليه بمنزلة الأجر منه ، وقيل : يأكل على وجه القرض فيرد عليه إذا كبر (١٢)(فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) عند بلوغهم (فَأَشْهِدُوا) عند دفعها إليهم (عَلَيْهِمْ) بأنهم تسلموها بالقبض منكم وبرئت عنها ذممكم ليزول
__________________
(١) معائشكم ، ب م : معاشكم ، س.
(٢) انظر الكشاف ، ١ / ٢٢٩.
(٣) نقله عن الكشاف ، ١ / ٢٢٩.
(٤) لمن يجب عليكم رزقه ومؤنته ، م : ـ ب س.
(٥) أخذه المصنف عن السمرقندي ، ١ / ٣٣٣.
(٦) رشد ، ب م : رشدا ، س ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ١ / ٢٢٩.
(٧) اختصره من الكشاف ، ١ / ٢٢٩.
(٨) ثم نهي الأوصياء عن أكل أموال اليتامي بقوله ، س : ثم نهي الأوصياء عن أكل أموال اليتامي لقوله ، م ، ـ ب.
(٩) ثم بين حال الأوصياء بقوله ، ب س : ـ م.
(١٠) في الشرع ، ب م : بالشرع ، س.
(١١) فيها ، ب س : فيه ، م.
(١٢) هذا القول منقول عن السمرقندي ، ١ / ٣٣٣.